آدم تشيللو الغناء، ثابت ككمان ينهض من قاع النغم ثم يرتفع كتينور، لا يهتز.
وضّأ المدرج المكتظ بالصوت. ثلاثة آلاف وأكثر أغمضوا عيونهم، تمايلوا مترنّحين، سمعوا بقلوبهم، تغيّرت ملامحهم، سكروا بتجويد النوتة، غمرهم صوت من روح.
حفلة آدم في "أعياد بيروت" كانت ليلة من دفق النغم، صوت غمر الجموع التي بقيت تتهافت على الحفل حتى نهايته. أناس تقاطروا من مختلف البلدان لسماع صاحب "خلصت الحكاية" و"خلص الدمع"، وأصداء صوته لم تنتهِ، بل بقيت عالقة عند موج البحر، يرددها زبد التجلي.
ليس مهماً ماذا غنى آدم في حفله، فهو كيفما فتح صوته تنزلق أغمار من حضن، تلف الآلاف الذين حضروا. هو يغني، وهم يُنصتون كأطفال عند حافة الدهشة.
آدم لا يفتعل الحركة، ولا يدفع المستمعين إلى الرقص والهزج، فنان طربي يدفعهم إلى الترنّح والغور في أعماقهم، يُجليهم من كل إرهاصاتهم، ويحلّ في مسامهم.
العجوز على المدرج يصغر، فصوته يعيد تشكيل فصول حياته بشكل نقي وعذب.
الشباب يهجعون إلى أحلامهم، يوقد في نفوسهم نيران الحب والأمل.
صوت قادر على تحريك الناس بطريقة غامضة لا يمكن مقاومتها، صوت يخرج من قلب ويحطّ في قلب، وكأن الجميع يسمع السكون، مأخوذين، مندهشين، متواطئين مع الجمال الذي يُسمع في ليل بيروتي.
شكراً آدم على هذه الأمسية، فقد جعلت قلب بيروت يخفق بالكثير من الوجوه التي قدِمت إليها من بلاد بعيدة، متخطّين الخوف لسماع صوت السلم في آهاتك.
شكراً آدم على كل هذا الحب والعاطفة التي غمرت بها مستمعيك، فالنساء أصبحن أكثر ليونة ونحافة وأنوثة، والرجال أكثر حناناً وصدقاً.
شكراً لهذا الصوت الرخيم الذي يأتي من سماوات بعيدة، ليحكي كلمات أبعد من الكلمات. وليقيم ليلاً من حب واغتسال، ليل يُقال فيه إن الموسيقى علاج، وإن الصوت الجميل يُحوّل المستحيل إلى ممكن.