كعروس مقطوفة من غيمة ربيعية بيضاء، حلّت إليسا في الليلة الختامية لـ"أعياد بيروت"، فكانت مسكها.
لم تحل إليسا في "أعياد بيروت" في ليلة عادية، فالوطن مثقل بالوجع والحزن. في ذلك الليل اكتمل فصل آخر من الدمع الممزوج بالفرح، وذاك الفرح المذيل بالحسرة.
تحية إلى الغائب الكبير
افتتحت الفرقة الموسيقية السهرة بمعزوفة للحبيب الراحل زياد الرحباني، وعلى وقع موسيقى "حبك متل بيروت" دخلت إليسا. كان الجوّ أشبه بالتحام بين مدينة تعرف الفقدان أكثر من أي شيء آخر، وبين جمهور مكتمل الحضور، ساكن كأنه في احتفال قدسي، غنى معها الحب وبيروت. ثم رفعت تحية في حضرة الغياب وغنت "سألوني الناس".
الصوت والحضور... في أبهى تجلياتهما
كانت إليسا متجلية بين صوت وحضور. قالت عنها احدى الحاضرات: "كندى الربيع وقطر الورد، نقي يصيب ويسافر". أما أنا، فقلت: صوتها أشبه بماء الذهب، كيفما صدح، تصبح الكلمة سلامًا وغمرة من لحن وحضن من أمان.
فراشة بيضاء في سماء المسرح
حلّت إليسا بالأبيض الرفراف، كطائر حب، كفراشة تحوم في الضوء، تغزل شرنقة الحب في أغاني من ذوبان وشهيق، مثل "بتمون"، "عايشلك"، و"كرهني". والجمهور كالسكون عندما يصبح ضمة، ارتدى أثواب النور وسطع معها، وتفاعل حتى صارت الألوف واحدًا، كلها تميل على إيقاع الغناء.
بين الحنين والبدايات
إليسا شدت بين الحزن والفرح، الحب والفراق، والوئام. والكل سار معها الهوينى من أول أغنية أنشدتها في بداياتها "بدي دوب"، تلك الأغنية التي جعلت من صوتها يلف أسماعنا بحرائر الصوت وغمام لا نراه إلا في فصولها.
ملكة المسرح بلا منازع
بدت إليسا متملصة من كل شيء إلا من الصوت والإجادة. ملكة على مسرحها، الحناجر تردد معها كل مقطع وهمسة وصداح. كانت مغمورة بشعلة تمتد من شأو صوتها لتصل إلى مستمعيها، فيذوبون معها كالشمع في حضرة الشعلة.
غناء من نوع آخر
أغاني إليسا ليست ابتهاجًا ولا ضحكًا ولا رقصًا. هي تقع في خانة الحب والتأوّه أكثر. في حضرة أغانيها، يطيب التحديق إلى ما لا نراه، والإصغاء إلى ما لا نسمعه، والتفكير بما لا نفهمه. فيصبح غناؤها أشبه بحلم... أو حب بعيد قريب.
لقاء القمم: كارول وإليسا
لم يكن حضور الفنانة كارول سماحة عابرًا في هذه الأمسية، بل كان ركيزة السهرة. بتواضع المحبين، طلبت إليسا من كارول أن تغني معها. صعدت فارسة المسرح لتقف بقربها، وبدا كأن قطبين اجتمعا، وقامتان من بياض، وصوتان من جمال. لقاء جعل المدرج يضج، يعانقه فرح مزدوج وهيام مرتبك من كثرة البهاء.
غنت كارول وإليسا رائعة الفنانة سلوى القطريب "خدني معك"، فصدح الجمهور معهما كجوقة.
تحية لمروان خوري
لم تكتفِ إليسا بـ 120 أغنية من أرشيفها لتغني منها في حفل "أعياد بيروت"، بل راحت نحو أرشيف الفنان مروان خوري، وغنت "كل القصايد" و"كان عنا طاحون".
خاتمة على هيئة قبلة
انتهت ليلة إليسا كختم قبلة عميقة، طبعتها في قلوب محبيها الذين جاؤوا إليها بشوق، وغادروا مترنحين من كثرة الحب.