في أحد أعداد مجلة الكواكب، وتحت عنوان "أيام العذاب في حياة محمد فوزي"، كتبت الكاتبة سكينة السادات تفاصيل مأساوية عن رحلة مرض الفنان الكبير محمد فوزي، الذي احتار الأطباء في تشخيصه، حتى أطلقوا عليه اسم "مرض محمد فوزي"، لعجزهم عن تحديد ماهيته أو علاجه.
"أريد رؤية عمرو.. أشعر أنني لن أعود"
تحكي الفنانة مديحة يسري، زوجة فوزي السابقة، عن مكالمة هاتفية مؤثرة تلقّتها منه ذات ليلة، بينما كانت تتناول العشاء مع ابنهما عمرو. بصوت ضعيف، قال لها: "أرجوكِ يا مديحة، أريد أن أرى عمرو الآن. سأغادر في الصباح، وأشعر أنني لن أعود إلى مصر حيًّا".
صرخت مديحة في وجهه، تطمئنه بأنه سيعود بصحة أفضل، وأسرعت بإنزال عمرو لزيارة والده. وبعد انتهاء اللقاء، اتصل بها عمرو وهو يبكي قائلاً: "لم أعرفه.. جسده نحل ووجهه أصبح صغيرًا، لم يكن قادرًا على الكلام.. ظل يبوسني ويقول لي: اسأل دائمًا عن إخوتك الكبار، واعتنِ بنفسك، وذاكر دروسك".
25 طبيبًا في عام ونصف بلا جدوى
قبل سفره للعلاج، زار فوزي 25 طبيبًا داخل مصر خلال عام ونصف. اشتكى لهم جميعًا من آلام مبرّحة تنتشر في جسده، من فقدان للشهية ونقص شديد في الوزن. لم ينجح أي طبيب في تشخيص حالته، فاكتفوا بوصف المسكنات التي لم تعد مجدية بعد فترة، لتتحوّل لياليه إلى سهر وعذاب لا يُحتمل.
رحلة البحث عن العلاج تبدأ في لندن
قرر فوزي أخيرًا السفر إلى لندن، وأقام في أحد مستشفياتها لمدة ثلاثة أشهر، ترافقه زوجته كريمة التي تعلّمت التمريض خصيصًا لرعايته. خلال تلك الفترة، كان الألم يتفاوت بين الخفّة والشدة، إلى أن اتفق الأطباء على إجراء تدخل جراحي لقصّ 6 سنتيمترات من جانبي عظام الحوض.
لكن نتائج التحاليل فتحت بابًا واسعًا من الحيرة والتخمينات:
سرطان في الدم
اشتباه بورم خبيث في القولون
آلام روماتيزمية في الحوض
وأرسل الطبيب المعالج، الدكتور فرانك، جميع التقارير إلى مستشفى البحرية الأمريكية للاستشارة، ثم نصح فوزي بالسفر إلى ألمانيا.
بيان المستشفى الألماني: مرض نادر لا يُعرف له علاج
رغم تنقله بين لندن وألمانيا، استمر التدهور، حتى أصدرت المستشفى الألماني بيانًا رسميًا قالت فيه:
"لم نتوصل إلى معرفة المرض الحقيقي ولا كيفية علاجه. إنه خامس شخص على مستوى العالم يصاب بهذا المرض، وقد وصل وزنه إلى 36 كيلوغرامًا فقط."
الرسالة الأخيرة: "أشعر أنني أذوب كالشمعة"
قبل وفاته، كتب محمد فوزي رسالة مؤثرة، قال فيها: "منذ أكثر من عام وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي لا أعرف سببه. قال بعض الأطباء إنه روماتيزم، وآخرون قالوا إنه نتيجة عملية الحالب، بينما الألم يزداد يومًا بعد يوم.
بدأ النوم يهرب من عيني، وفقدت شهيتي، وبدأ وزني في التناقص. حتى المسكنات لم تعد تُجدي، ولم أعد أقوى على النهوض من الفراش.
أشعر أنني أذوب كالشمعة.. الموت علينا حق، وإن لم نمت اليوم سنموت غدًا. أحمد الله أنني مؤمن، ولا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام.
أديت واجبي تجاه وطني، وكنت أتمنى أن أقدّم المزيد. تحياتي لكل من أحبني ورفع يديه بالدعاء من أجلي، لكل طفل أسعدته ألحاني، لبلدي، وأخيرًا لأولادي وأسرتي."
النهاية المؤلمة
في يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر عام 1966، رحل محمد فوزي عن عالمنا، بعد صراع طويل مع مرض غامض حطم جسده، لكن روحه وفنه بقيا خالدين في ذاكرة الأجيال.