في مرحلة التحضير لفيلم «صراع في الوادي»، كان المخرج يوسف شاهين يبحث عن وجه جديد يليق بالوقوف أمام فاتن حمامة. انطلق شاهين في جولات طويلة بين الشوارع والكازينوهات والمقاهي، يفتش عن ملامح غير مألوفة تحمل حضوراً سينمائياً مميزاً، لكن دون جدوى.
لقاء القطار الغامض
ذات ليلة، وبينما كان يوسف شاهين عائداً بالقطار، جلس في عربة مظلمة لا يضيئها سوى ضوء القمر المتسلل من النافذة. هناك، لمح شاباً جلس قرب الشباك، يتلألأ وجهه بضوء القمر. وصف شاهين ملامحه لاحقاً قائلاً: «لمحت أنفاً من طراز روماني، وعظام وجنتين بارزتين بانسجام مع الذقن».
تقدم شاهين نحوه وسأله عن مهنته، فأجابه الشاب بأنه موظف في مركز قليوب. فسأله شاهين: «هل تحب السينما؟»، فرد قائلاً: «جداً».
ثم سأله: «ولو أتيحت لك فرصة للظهور فيها؟»، فأجاب: «هذا حلم من أحلامي».
حينها قال له شاهين بثقة: «سيصبح حقيقة»، وناول الشاب بطاقته قائلاً: «غداً كن عندي».
صدمة اللقاء الأول
في اليوم التالي، حضر الشاب إلى مكتب شاهين في الموعد المحدد. وعندما خرج المخرج للقائه، أصيب بدهشة كبيرة. يروي شاهين: «وقفت أرتجف وكدت أسقط فاقد الوعي، فقد طالعني الفتى بوجه جميل التكوين، إلا أنه كان أعور العين».
رغم الصدمة، لم يشأ شاهين أن يصدم الشاب أو يخذله، فأسند إليه دوراً بسيطاً، محاولاً أن يمنحه فرصة رمزية لتحقيق حلمه في الظهور على الشاشة.
عامان من البحث المضني
بعد تلك الواقعة، استأنف يوسف شاهين رحلته الطويلة في البحث عن وجه جديد. التقى عشرات الشباب في المقاهي والأندية، لكن العقبات كانت كثيرة؛ فبعضهم كان مغروراً يطلب أجوراً خيالية، وآخرون بلا موهبة حقيقية.
وحين نفد صبره، نشر إعلاناً في الصحف يبحث فيه عن وجوه جديدة. فتقدّم إليه المئات، بين من جاء بدافع الشهرة السريعة، ومن أراد تحسين دخله لإعالة أسرته. لكن شاهين لم يجد ما يبحث عنه طوال عامين كاملين.
من “صراع في الوادي” إلى قمة المجد.. كواليس اكتشاف يوسف شاهين للوجه الجديد عمر الشريف
اللقاء الذي غيّر تاريخ السينما
في أحد الأيام، وبينما كان يوسف شاهين يجلس في مقهى جروبي، لمح شاباً وسيماً وصفه لاحقاً بأنه «أرستقراطي الحركات». تبادلا النظرات، ثم نهضا في اللحظة نفسها والتقيا في المنتصف:
يوسف شاهين: «أنا يوسف شاهين»
ميشيل شلهوب: «وأنا ميشيل شلهوب»
قال له شاهين مبتسماً: «تعرف أنك تصلح ممثلاً بارعاً؟»
فأجاب ميشيل: «أتمنى هذه الفرصة»
رد شاهين بحسم: «إذن اتفقنا».
أخذه شاهين فوراً إلى فاتن حمامة التي وافقت على اختياره بعد أول لقاء، وأُسندت إليه بطولة «صراع في الوادي». ورغم مخاوف شاهين من أن يرتبك الممثل الجديد أمام نجوم كبار مثل فاتن وزكي رستم، إلا أن ميشيل أدهش الجميع بثقته وثباته وكأنه ممثل محترف منذ سنوات.
حينها قال له شاهين جملته الشهيرة: «سيكون لك مستقبل كبير، واسمك سيصبح على كل لسان».
من ميشيل شلهوب إلى عمر الشريف
تحققت نبوءة يوسف شاهين سريعاً. فقد لمع نجم الشاب ميشيل شلهوب في سماء السينما المصرية، ليصبح واحداً من أكبر نجومها تحت اسمه الفني الجديد: عمر الشريف.
تصحيح شائعة الدراسة المشتركة
كثيرون تساءلوا لاحقاً: ألم يكن يوسف شاهين وعمر الشريف زميلين في الدراسة؟
في حوار لمجلة «الموعد»، أجاب الشريف قائلاً:
«لا، فهو كان أكبر مني سناً ومتقدماً عني في الدراسة. افترقنا طويلاً، إذ سافر هو إلى الولايات المتحدة لدراسة الإخراج، وعندما عاد كنت قد بلغت الحادية والعشرين من عمري، والتقيته صدفة في مقهى جروبي.»
وهكذا، كانت الصدفة التي جمعت بين يوسف شاهين وميشيل شلهوب نقطة تحول في تاريخ السينما العربية، وبداية لأسطورة اسمها عمر الشريف.