TRENDING
جدة التاريخية..  رحلة ممتعة إلى الماضي في الأزقّة والبيوت الأثرية  القديمة

بدعوة من جدة التاريخية ومبادرة "بلد الفن"، وبتنظيم من شركة "فلينت للثقافة"، كان لنا زيارة تعارفية إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، برفقة مجموعة من الزملاء من كل دول العالم، للتعرّف إلى معالم المدينة التاريخية.

فور الوصول إلى جدة تشعر بطاقاتها الإيجابية، هذه المدينة فيها سحر عجيب، تجمع بين فخامة المدن الخليجية، وسحر المدن الساحلية وعراقة المدن الأثرية، ناهيك عن إيقاع ناسها الذين اعتادوا التعايش مع الغرباء منذ أن باتت جدة مكاناً لالتقاء الحجاج، فبات الغريب يشعر بألفة المكان من لحظة زيارته المدينة حتى مغادرتها.

زيارتنا كانت إلى المدينة القديمة التي يطلق أهلها عليها اسم البلد، وهو حي أدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي عام 2014 باسم جدة التاريخية، بوابة مكة، هناك تقف على عتبة التاريخ.

أزقة تروي تاريخ مدينة
تسير بين الأزقة الضيقة، تطالعك المباني القديمة من كل الجهات، تراث معماري عريق يتم ترميمه اليوم للحفاظ عليه.

في جدة التاريخية ، تشاهد منارة مسجد الشافعي التي بُنيت في القرن الـ13 الميلادي، حيث تمّ ترميم المسجد 3 مرات حتى اليوم.

يعتبر المسجد من أجمل المساجد، ويطلق عليه أيضاً اسم المسجد العمري نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب، الذي أمر الصحابي عثمان بن عفان ببنائه، ويقال إنّه صلى في المسجد.


وتشاهد البيوت القديمة بعضها عمره أكثر من 400 عام، شاهد على عراقة البناء في المدينة، حيث استخدم سكّانها الرواشين، التي تحكي قصة حياة يوميّة لأهل جدة. فهذه الرواشين، أي النافذة أو الشرفة البارزة المصنوعة من أجود ألواح الخشب، والتي تستخدم في تغطية النوافذ والفتحات الخارجية، تسمح لسكّان المنزل برؤية خارجه، وتمنع على من في الخارج التلصّص على أهل البيت.
كما أنها مصممة بطريقة تسمح بدخول الهواء البارد، للتغلّب على حرارة الجو في عصر ما قبل اختراع المكيفات الكهربائية.
تتميّز الرواشين باللون البني، لون الخشب الطبيعي، ولاحقاً دخل اللون الأزرق تأثراً بمدينة سيدي بو سعيد في تونس، واللون الأخضر شعار المملكة.


في جدة التاريخية، تشاهد أيضاً سور جدة القديم الذي أمر السلطان ببنائه عام 1509 لحماية المدينة من الغزوات البرتغالية، تخلله 7 بوابات تربط جدة بخارجها أشهرها بوابة مكة.

هناك تشاهد الطريق التي كان يعبرها الحجاج مشياً على  الأقدام. آثار أقدامهم تروي حكاية المدينة التي احتضنت المسلمين القادمين من كل أنحاء العالم للحج والعمرة.


كما تشاهد أقدم مدرسة للبنات في المملكة.
وفي المدينة أيضاً، يخبرنا الأدلاء السياحيين عن مقبرة "أمنا حواء"، التي يقال إنّ حواء دفنت فيها. لا شيء مؤكّد في التاريخ، لكنّها معلومات يتم ناقلها جيلاً بعد جيل، في إشارة إلى الدلالة التاريخية للمنطقة، التي بدأت حتى قبل بروز فجر الإسلام.


أمسيات جدة التاريخية
في المدينة القديمة، الكثير من المقاهي المترامية على أطراف الأزقة، يقصدها نساء ورجال باستثناء مقهى واحد، يطلق عليه اسم "مركاز".
أخبرتنا الدليلة السياحية أنّ هذا المقهى قد يكون الوحيد في المدينة المخصّص اليوم للرجال. تقول ممازحة "هذا المكان الوحيد في المملكة اليوم الذي تركناه للرجال فقط.. ولسنا معترضات".


في المساء، تصبح المدينة مقصداً لكل الناس، للمتسوّقين من سوق العطارة والتحف الأثرية والأقمشة، إلى قاصدي المقاهي الشعبية، إلى الحرفيين الذين يعملون حتى وقتٍ متأخرٍ من المساء.

هناك يصدح صوت أم كلثوم مساءً، تخال نفسك في "خان الخليلي" في القاهرة، خصوصاً في مثل هذا الوقت من السنة، حيث الجو منعش، ودرجات الحرارة منخفضة، تتيح للزائرين متعة اكتشاف المكان في الصباح كما في المساء. مكان يستحق الزيارة، فكل زقاق فيه قصّة تسمعها من الناس هناك وتحفظ الكثير من تفاصيلها.


بيت نصيف

في البلد الكثير من المعالم المدهشة، منها بيت نصيف. هو ليس الأقدم ولا الأجمل لكنّ له دلاله تجعل منه مقصداً للسيّاح.
أهمية البيت كما تخبرنا الدليلة السياحية التي رافقتنا في الرحلة، تكمن في أنّ الملك عبد العزيز الذي كان لقبه يومها ملك الحجاز سلطان نجد، سكن مع العائلة في المنزل لمدّة عامين، وبعده بسنوات، اشترى الملك فيصل المنزل من العائلة لشكرها على استضافتها والده.


بلد الفن

في جدة التاريخية يمتزج التراث بالفنون الحديثة، تزيّن الغرافيني الجدران، وفي زوايا المدينة تجد حرفيين يمارسون صناعاتهم اليدوية أمام المارّة، كما تلمح معارض رسم منتشرة بتنظيم من "بلد الفن"، وهو مبادرة من وزارة الثقافة تحت مظلة برنامج جدة التاريخية، وبإشراف مؤسسة أثر الأهلية المنفذ للمشروع.

تقول مديرة المشروع إيمان حسن محرق في حديث لـ "هواكم"، إن بلد الفن هو نتيجة طبيعية للتحرك الثقافي الفني في المملكة.

وعن الأهداف المرجوة من المبادرة تقول "الهدف الأوّل هو إحياء الروح الإبداعيّة والفنيّة للبلد، وخلق برامج مستدامة للفنانين والمبدعين، وأن يجعلوا من  البلد مقراً لهم، لأنّه مكان ملهم للمبدعين والفنانين.".

وعن مشاريع بلد الفن تقول "سيكون هناك مبادرات فنية مختلفة في ستة أنواع من الفنون البصرية أو السينما أو الحرفية، لكن الهدف الأسمى خلق البرامج المستدامة.".


خلال تجوّلنا في البلد شاهدنا رسومات وغرافيتي، كما شاهدنا بناية مكسوة برداء زهري أخبرونا أنّ فناناً أرجنتينياً قام بكسوة المبنى، في خطوة مجنونة تثير ردود أفعال متباينة.
عن نوع الفنون الذي سيرعاه المشروع نسأل مديرته إيمان حسن محرق فتقول "بلد الفن فيه المعارض الفنية، وزاوية للحرفيين، والفنون الأدائية، وهو يستقطب منذ فترة الفن والفنانين وثمة غرافيتي وفنون الشارع، وسيكون هناك مبادرة لزيادة الغرافيتي".

هل سنشاهد في البلد فعاليات على غرار موسم الرياض من حفلات غنائية؟ تقول "قدّمنا حفلتين موسيقيتين وركزنا أكثر على الموسيقى الكلاسيكية سواء الأجنبية مثل الجاز أو العربية مثل حفل الفنان سعد العود الذي يلقي الضوء على الأغاني الكلاسيكية مثل أغاني عبد الحليم وأم كلثوم ونجاة وغيرهم. الفن في البلد مختلف وله طابع خاص".

نسألها "بماذا حلمتم وماذا حققتم وماذا ستحققون بعد؟".

تقول "حلمنا لا حدود له، والتوجّه الثقافي للملكة لا حدود له أيضاً، بقيادة ورؤية سواء من الأمير بدر تحت مظلة الرؤية الأكبر لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحلم كبير جداً وحلمنا في بلد الفن كان خلق البيئة التي تستقطب الفنانين والمبدعين إلى البلد والحمد لله كان هناك الكثير من الفنانين الذين اقتنعوا وبدأو يأتون إلى البلد والحلم الأكبر أن يكون البلد مركزاً وبيئة للمبدعين والفنانين بكل أشكال البلد.".

سندباد.. إني أرى اليابسة

عندما تزور البلد، يطالعك معرض يحمل عنوان "سندباد.. إني أرى اليابسة" الذي يقام في بناء قديم، بأجواء تنقلك إلى تاريخ وتراث المنطقة.

المعرض مستوحى كما يقول القيمون على "بلد الفن" من تاريخ المدينة وبيئتها متعددة الثقافات. يدعو المعرض الفنانين من جميع أنحاء العالم إلى إعادة تفسير الجوهر المعقّد للأرض من خلال مجموعة متنوعة من الوسائط الفنية مثل الفيديو والرسم والتصوير الفوتوغرافي والفنون المركبة للتعمق في المفهوم الأوسع للأرض.

زيارة البلد ليست لمحبّي الفنون فحسب، بل أيضاً لمحبّي التاريخ، ولمحبّي الأصالة، وللراغبين بالوقوف عند عتبة الماضي، حيث تعود بك عقارب الساعة عقوداً إلى الوراء، وزيارة البلد ليست فقط لمحبّي التراث والتاريخ فحسب، بل أيضاً للراغبين بالتعرّف إلى النّسيج الاجتماعي للمدينة، التي تجتمع كلّها في الأزقة، في المقاهي وعلى الأرصفة والأسواق في مشهد بديع يضجّ بالحياة.

يقرأون الآن