تشعر تجاههم بالحسرة، يأخذك شعور بالانقباض، تجد نفسك في غربة ووحشة وهم يلقون كلاماً خارج سياق المعهود. لا كبير عندهم على المسرح ولا صغير. جماعة الكوميديا الارتجالية في لبنان مأخوذون بذواتهم، يحكون حكايات ساخرة ويلبسونها لأقربائهم.. للأم والأب والجار. صورة الأهل عند معظمهم مهزوزة غير سوية.
المثل يقول "إذا ما عندك كبير أشتري كبير". لكن هؤلاء لا يبيعون ولا يشترون. يرمون كلامهم وكأنهم في وحشة وخوف لا يعرفون ماذا يقولون. وإلا كيف تتم عملية السخرية هذه وهم يكسون أهلهم بالتخلف والضمور العقلي، ويصفون من رباهم وجعل منهم رجالاً أو نساء بأسفه العبارات، بحجة أنهم هم بيارق التحرر ويحق لهم هجاء وتناول أي كان لأنه غير قادر على مجاراة أفكاره.
شادن فقيه
تفاصيل مقززة
على مسرح معظم هؤلاء الذين من المفترض أن يكونوا مضحكين يحكمك شعور بالضيق، خاصة عندما يتناولون أكثر فكرة مقززة ويبدأون بشرحها وهم في غاية الحماس، لا يأبهون لتلك الصور المنفرة ولا يحسبون أنهم أمام جمهور، ولا يأبهون أن عصر الميديا سيوصل صورهم هذه وهم حتى في الحمام.. يلقون نكاتاً من داخل المراحيض، نكاتاً مقزّزة لا مكان لها في عالم الكوميديا. لديهم مخيلة تلتقط تفاصيل مقززة ظناً منهم أنهم ظرفاء.. ومعظمهم لا يمت إلى الظرافة بصلة. فتناول المحظور ليس قوة بل هو منتهى الضعف ومنتهى الضياع.
يظن أن تخطي العيب وكسر حاجز الخجل والخفر يجعل منه فناناً، تجده أشبه بإنسان برَي لم يعرف الحضارة ولا قوانين الخجل والأصول.
ناهيك عن الأفكار الجنسية التي يحلو للبعض أن يطرحها بمناسبة أو بدون مناسبة، يتغنى بميوله الجنسية سوية كانت أم مثلية. لا يهم فهم أحرار بما هم أو هن عليه. لكن التعابير تصفع والكلمات نابية والصور صفيقة. لما كل هذا؟ هذه المجاهرة ليس فناً ولا طرافة، بل مرض يحتاج إلى جرعة أدب وصفعة ليستيقظ متلفظه من سباته.
هؤلاء يأتون بكل ما هو غير شرعي وغير سوي ويبصقونه على المسرح وهم يشعرون بالنشوة. ومن يشتري بطاقة لرؤية هذا الإسفاف وهو يدرك أنه سيرى ما يراه، لا يقل عنه سوقية ودونية.
نور حجار
نور حجار.. كبش محرقة
نور حجار الكوميدي الارتجالي الذي قيّد إلى التحقيق عاد واعتذر، قد يكون كبش محرقة عن جميع زملائه. بعيداً عن أحقية سجنه أو توقيفه. لكن حجار وغيره بحاجة إلى متابعة وقراءة أصول المسرح وكيف تلقى الكلمات.
قلائل من يجيدون رمي النكتة وإجادة السخرية البناءة. هذا يحتاج ذكاءً مضاعفاً وثقافة عميقة وأدب أكثر وخفة روح ودماثة. النكتة تأتي متلبسة بالفخامة وفي مضمونها عصارة من الأسى والطعم الحامض الذي يقزز الأسنان. تجعلك على معرفة بالواقع بطريقة فذة وأسلوب ملتوي وتشابيه مغرية. هذا الفن هو من أصعب الفنون وأجملها. لكن في أغلب الأوقات نجد سهولة واستخفاف وقباحة.
سيد المسرح الارتجالي المضحك في لبنان ودون منازع فادي رعيدي. فهو مدرسة في هذا المجال. وأي مسرحي آخر جدي يمكن أن يكون استاذاً أيضاً. الفن المسرحي له أدواته النقية وكتابه الأنقى. وجماعة الستاند أب كوميدي يحتاجون إلى الكثير من دروس النقاء.
هشام حداد
هشام حداد متنمّر
هشام حداد الذي ذاع صيته في مجال الكوميديا الارتجالية. هو ساخر من الدرجة الأولى وهشام يستعمل كل طاقاته الجسدية ليعبر عن رسالته بضحكته وحركته الجسدية. لكن هشام متنمر من الدرجة الأولى أيضاً. التنمر فيه عنف وفيه ازدراء وفيه كسر للتابو والكثير من المحاكاة التي تأتي من الزنار ونازل.
بالمحصلة، "المرقعة" والسفاهة ليست فناً وكسر أصول اللباقة ليست فناً وكل هذه الرسائل الجنسية ليست فناً.