عيب الورد أنه رقيق ولا يعمر طويلاً. لكن وردها يورق ويزهر في كل المواسم وعلى مدار السنوات الطويلة يعبق عطره أكثر.
يافعة كأنها أتت للتو من مواسم التفتح والعطاء، لا تتعب لا تكبر لا تتعثر.
كاريس بشار نجمة الصبح في الدراما إن فاتها الليل فلا يفوتها الصبح. بها يستدل على الطريق المضاء، السالك نحو النجاح والفن.
ربيع مستمر
أعمالها بالعشرات قد تصل المئة، حمل متعب وكبير، عمّرتها بسيرة ما زالت مفتوحة على فصل ربيعي لم يأفل، لا بل كل يوم يُفتّح براعم ويعقد ثمر.
لم تقفل عشرين العمر إلا وكانت برفقة الهامات الكبيرة. مع دريد لحام بدأت فشاركت في مسرحيتيه «صانع المطر» و«العصفورة السعيدة» ودخلت عالم التلفزيون من خلال تصويرها مسلسلات «يوم بيوم» «عيلة ست نجوم» و«العبابيد». هي الأتية من مجال الإعلام صارت ممثلة تفصل لها معادلات الأداء ويحسب لها ألف حساب.
كاريس: الملامسة حتى القشعريرة
كاريس أسم له معنى، إنه الملامسة التي تؤدي إلى القشعريرة. فكم مرة جسّدت اسمها في أدوراها. في كل عمل قدمته حضر معها معنى الاسم.
بالأمس قدمت لنا مريم في "النار بالنار" احدودبت ومشت بخطى ثقيلة، وجاءتنا مسكينة مهزومة مهجّرة. فيها كل كدر وكل عذاب. شدتنا حتى التماهي، دمعنا معها وتألمنا لها، وفاض بنا الحب عندما لاقت من يحميها ويحتضنها. مريم هذه تشبه نساء سوريات كثيرات تشردن وذقن طعم المرارة. فكانت رسولتهن أعطتهن نفسها على مدار 30 حلقة جسدت مأساتهن حتى التماثل. واستحقت جائزة الموريكس دور التي نالتها عن هذا الدور.
من ابنة الحارات العتيقة إلى الفتاة العصرية رحلة نجاح
كاريس هي ابنة الحارات الشامية العتيقة التي تعرف كيف تدوّر نفسها لتصبح سيدة تعيش في ذاك التاريخ القديم. تبسط شخصيتها ولباسها باتجاه الأمس وتعيش الدور وتخترق الوقت لننسى من تكون، وتصبح سعدية في "ليالي الصالحية" أو تغور أكثر في القدم وتصير فوزية في "الحصرم الشامي".
ثم تخلع ثوبها العتيق هذا وترمي قمطتها وترتدي ثوب التجدد والعصرية، تعيش صراعات من نوع أخر وتتسلح بمواهب مبتكرة وتؤدي شخصيات جديدة. فهي الطبيبة رولا عزام أو جوري في "كوما".
هي الطبيبة في "ستيليتو" هذا العمل الضخم الذي أمتد 90 حلقة. فكانت الشابة الهادئة المخذولة من رفيقاتها. الناجحة في مهنتها. المتألمة في حبها. عاشت التحدي والظلم وعشنا معها انكسارها وكل المكائد التي تربصت بها. وصرنا فريقها الذي يناصرها.
من الصعب الإحاطة بكل ما قدمت بشار على مدى 30 سنة. لكن إن نظرنا اليها وجدنا أنها ما زالت طرية كبرعم لم يتفتح بعد. جمال وموهبة ومكانة. الأمم المتحدة جعلتها سفيرة للنوايا الحسنة. فهي تستحق كل تكريم ووسام.
ثلاثية الموهبة والجمال والحس
قد تكون أخفقت في مكان ما، أو لم يكن الدور كما تشتهي أن يكون. فأغمار القمح النظيفة لا تخلو من رواسب الحقل المعطاء. سر كاريس إنها لا تذر الغبار حولها وتبقى تراوح في منبسطاتها بقناعة المبدع وكبرياء المثقف. فهي لا تولي أهمية لنفخ بالونات الحضور والظهور. وتقول بأم لسانها إنها لو أقفلت كل حسابات الميديا الخاصة بها لا يتغير شيء ولا يهمها الأمر. فهي لا تعير انتباهاً إلا لفنها.
تأسف بشار على أمر واحد وهو سفرها إلى الولايات المتحدة الاميركية في عام 2012 لتعود بعد عام ونصف وفي نفسها بعض الندم. هذه الهجرة التي أشعرتها بالتعب والفقدان والنضج الذي فيه شيء من المرارة.
لا شك هذا النجاح المستمر وهذه السيرة الطويلة لأعمال في السينما والمسرح والتلفزيون يكمن في موهبة وحس فردته، وفي جمال تحلت به، وعصب شدته بحزم وشخصية تستطيع أن تتكوّر في أدوار عديدة. أما صوتها فبتنا نعرفه حتى لو أتى إلينا من خلف الجدران.
لقد حفظ المشاهد تفاصيل كاريس بشار ووقع بحبها وصار يتوق اليها فقد دخلت في عمقه وصارت له.