بين هشام حداد وباسم يوسف فن وإعلام وسخرية ونقد. لكن الوزنة مختلفة والروح مغايرة والمكانة متفاوتة.
الشهرة التي تتكأ على نجومية الآخرين
هشام ما زال متربعاً على عرش أكبر المحطات اللبنانية mtv وقبلها lLBCI يقابل أهم الضيوف الذين يطغى عليهم الوهج والشعبية.
منهم يستقي إشعاعه ومن خلالهم يتم ترقيته على أنه الوجه الإعلامي الذي ينضح شهرة ومكانة. كل هذه الشهرة ليست مجانية، حقق هشام نجاحاً عبر استضافته الوجوه التي مسحت جبينه بالكثير من الضوء.
فبين باميلا الكيك نجمة أهم عمل درامي في العالم العربي ورحمة رياض صاحبة أكبر شعبية، وبين شارل أيوب المحلل والإعلامي الكبير والخبير السياسي، يفتتح برامجه بشخصية تستطيع أن تلفح حضوره بزاد الأقاويل مثل السياسي وئام وهاب الذي يعتبر مغناطيس الشاشات والرايتنغ. أو يختمها بفنان نجم له تاريخه ونجوميته مثل عاصي الحلاني.
كل هذه الشخصيات تستطيع وحدها لو نصبتها على قارعة الطريق ساكنة، أن تشكل تظاهرة إعلامية يلتف حولها الجميع ليروا ويسمعوا ويتفرجوا.
يعرف من أين تؤكل الكتف
من يتابع تصريحات فراس حاطوم منتج برنامج هشام حداد على Llbci سابقاً يدرك أن هناك بالونات تنفخ على الهواء وتأخذ أكبر من حجمها، ومن يطارد الضحكة والابتسامة يدرك أنّ هشام حداد لم يعد يقدّم صحنه الشهي على مائدة المرح. فالضيوف هم الحدث وهم الشعبية.
لكن لا شك أن حداد ذكي ويعرف من أين تؤكل الكتف. فاستعانته بأريج الحاج الكوميدية الذكية والخفيفة الظل والمبتكرة في صناعة الاسكتشات، والوجه المغمور الذي لم يستهلك بعد موفقة. أريج تعزز اليوم موقع البرنامج وتعطيه نكهة ملفتة وجديدة وتضفي نكهة الحلاوة عندما يخفت الذوق.
الشرنقة الضيقة
لم يتمكّن حداد من الخروج من شرنقته التي باتت محفوظة غيباً بكل تفاصيلها. فهو يراوح مكانه، سخرية من الشيف أنطوان ومذيعي otv، وتنقيره على بعض السياسيين، لم يتخطّ نفسه في خلق نص جديد وعمق كبير. ظلّ عند حافة هاويته يتلو خطاباته المعهودة بنفس الضحكة المجلجلة يرافقه "أبو الجيك".
يحتاج هشام دائماً إلى سند ودعم، سواء في محطة مرموقة أو في استضافة شخصية ملفتة حتى يخلق مكانة رفيعة، خطابه ما زال يراوح مكانه، وإن تشذبت سخرياته مؤخراً بما هو مفيد لشجرة فنه. ولم يصبح ذاك الإعلامي أو الفنان الذي يتخطى قديمه بخطاب جليل ومكانة مرموقة. لم يلحق الركب والمزاج العام كما هو حاصل حالياً في المنطقة من حرب مدمرة ضد غزة. بقي ضيقاً وأقل تأثيراً وعمقاً بخطاب باهت وقليل الحيلة.
الذكاء العميق المغمس بالسخرية
باسم يوسف يشرب مع حداد من نفس البئر الفني والإعلامي، لكن الفرق شاسع بينهما. فهذا يشرب من بئر الجدية المغمسة بالسخرية. يأتي خطابه لاذعاً وذكياً ومبهراً يحدث كل الفرق. لا غرابة في أن يكون ضيفاً مرّتين تفصل بين المرّتين أيام قليلة، مع أهم مذيع بريطاني بيرس مورغان ليحكي عن قضية جوهرية تمس وجودنا.
إطلالته حققت أعلى نسبة مشاهدة للبرنامج في تاريخه بأكثر من 15 مليون مشاهد، حتى أن مورغان نفسه الذي ودّع يوسف بطريقة نزقة، أدرك أن هذا الضيف الاستثنائي يشكل إضافة تخلق حوله جلبة تُسمع أصداؤها في العالم.
الالتزام بالقضية لا ثمن له
باسم يوسف الطبيب والجراح الذي أتى إلى الإعلام من باب خلق الفرق وتقديم خطاب يشكل فرقاً وعمقاً بطريقة ساخرة، غير مهتم بمال أو مكانة، بل تغرب تاركاً وطنه من أجل قضية يؤمن بها ورأي يتسلح به، لا يقبل التفاوض أو التنازل بل يتمسك برأيه. هذا الرأي هو صدى لصوت الملايين وهو الآن ينشر قضية استطاعت أن تزيح اللثام عن الكثير من الأكاذيب والادعاءات التي ينشرها العدو.
عموماً ما يقوله باسم ليس مضحكاً بل هو مبكياً، لكن باسم يحوّل الموقف المبكي إلى سخرية سوداوية جارحة، فتسكن النكتة طرف اللسان والابتسامة طرف الشفاه. وهذا هو الذكاء والعمق الذي يحتاجه الفن الكلامي والستاند أب كوميدي. في أن يحول القضية الجلل إلى مادة شعبية تحكي الحقيقة بأسلوب ساخر وبناء. فغمزة عين في مكانها وكلمة "أحا" في مكان آخر تفتح ملفات كذب وتظهر مدى النفاق والخبث عند الآخر.
يحتاج هشام إلى سنوات ضوئية ليصل إلى مكانة باسم يوسف، لناحية تقديم أفكاره على مسارح استراليا وأميركا في صالات ممتلئة بالحضور، وأن يكون الضمير الذي يصرخ بالحق من خلال لقاء عميق وخطير يمسحه بماء الفكاهة المرّة، فتصل مواصيلها أصقاع الأرض والأذن الصماء تسمع صداها.
وزنة الثقافة والعمق متفاوتة
وزنة الذكاء المفعم بالثقافة والعمق ضئيلة عند هشام حداد، فيما لو وضعت في مقارنة مع ميزان القيمة التي يتحلى بها باسم يوسف. فهذا الأخير يجترح النكتة من يافطات على الطريق ويعطيك منها المدلول الثقافي والسياسي، ويقدم تقييماً فاضحاً لكل ما يجري في البلد بذاك الأسلوب الفكاهي العميق والتلقائي. سرعة البديهة هذه ليست مسألة للنقاش فباسم يتفوّق دائماً عندما يكون في موقع المواجهة، لا مجال لمقارنته مع حداد الذي يفتقر إلى الكثير من فصول الفطنة والدهاء والخطاب الموهوب.
فإن كان هشام حداد قد أثر في المشهد الإعلامي والفني في العالم العربي لكن باسم يوسف صار رمزاً فيه. المقارنة صعبة والمقاربة بعيدة جداً بينهما.