في قلب بيروت النابض، وبين جدران الكنيسة الإنجيلية الأرمينية الأولى في بيروت، تجلّت ليلة الثاني من أيار كأيقونة فنية راسخة في الذاكرة، بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس مع الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، حاملةً على عاتقها إرثًا عريقًا من النغم الخالد، فدعت جمهورها إلى رحلة سمعية استثنائية. أمسية تراقصت فيها الأرواح على أنغامٍ عذبةٍ ساحرة، بقيادة القدير ماسيميليانو ماتيسيك، المايسترو الذي يمتلك القدرة على تحويل صمت القاعة إلى سمفونية من المشاعر المتدفقة. المايسترو ماتيسيك، القادم من أرض إيطاليا العريقة بتاريخها الموسيقي، لم يكن مجرد قائد للأوركسترا، بل كان بمثابة مهندسٍ بارعٍ ينسج خيوط الأصوات بتناغمٍ بديع. وهو الذي عاش في سويسرا الجرمانية على الحدود الإيطالية واكتسب الجنسية السويسرية ونهل من الموسيقى الألمانية، فجمع المجد من طرفيه لذلك أتقن موتزارت بشكل محترف. كما انه احب الموسيقى العربية وعمل عليها. خبرته الواسعة وشغفه العميق بالموسيقى الكلاسيكية تجليا في كل إشارة من يده، في كل نظرةٍ يوجهها إلى العازفين، مُلهمًا إياهم لتقديم أداءٍ يرتقي إلى مستوى الروح التي تحملها المؤلفات الموسيقية. وبمشاركة نجمين لامعين في سماء العزف المنفرد، ريبال ملاعب على الفيولا وتانيا سونك- ملاعب على الكمان ، لتنطبق رحلةٌ سمعيةٌ فريدة عبر أزمنة الموسيقى وألوانها.
كان حضور المايسترو ماتيسيك على منصة القيادة بمثابة هالة من الوقار والإلهام. هذا الموسيقي الإيطالي، الذي نهل من ينابيع الموسيقى الكلاسيكية الأصيلة، لم يكن مجرد موجهٍ لحركة الأيدي، بل كان بمثابة روحٍ ساريةٍ في جسد الأوركسترا. تتلمذ على أيدي قامات موسيقية رفيعة، وحصد جوائز مرموقة تشهد على عبقريته، ليصبح اليوم قائدًا مُحنكًا يقود كبرى الأوركسترات العالمية. شغفه بالموسيقى يتجاوز حدود النوتات المدونة، ليصل إلى أعماق العمل الفني، مُستخرجًا منه ألوانًا وظلالًا لم تكن لتُرى لولا بصيرته الفنية الثاقبة. اهتمامه بالجيل الصاعد من الموسيقيين، من خلال عمله كأستاذ في أكاديمية فرايبورغ وتقديمه للورش التدريبية، يعكس إيمانه الراسخ بأهمية نقل شعلة الإبداع إلى الأجيال القادمة.
وكانت كلمة لرئيسة المعهد د. هبة القواس في مستهل الحفل جاء فيها:"إنّنا نُقيم الليلة احتفالًا بالصوت، بالصمت الذي يسبقه، وبالاهتزاز الخفي الذي يحرّك الكائن فينا قبل أن يصل إلى الأذن. هذه الأمسية ليست فقط عرضًا موسيقيًا. إنّها إعلانُ وجود. وجودُنا نحن اللبنانيين في عالم يُعيد تشكيل ذاته، ويبحث عن هُويّاتٍ تائهة بين ال
ضجيج والعدم. من هنا، من قلب بيروت، يقف الموسيقي
وكانت كلمة لرئيسة المعهد د. هبة القواس في مستهل الحفل جاء فيها:"إنّنا نُقيم الليلة احتفالًا بالصوت، بالصمت الذي يسبقه، وبالاهتزاز الخفي الذي يحرّك الكائن فينا قبل أن يصل إلى الأذن. هذه الأمسية ليست فقط عرضًا موسيقيًا. إنّها إعلانُ وجود. وجودُنا نحن اللبنانيين في عالم يُعيد تشكيل ذاته، ويبحث عن هُويّاتٍ ضجيج والعدم. من هنا، من قلب بيروت، يقف الموسيقي بين ال
– لا كعازفٍ فقط – بل كبيانٍ ثقافيّ، كجملةٍ موسيقيّة تُقال على مستوى الوعي الإنساني.
رِبال ملاعب، العازف العالمي على آلة الفيولا، ليس فقط موسيقيًا متمكناً، بل هو امتدادٌ لأوتار هذه الأرض، حين تتعلّم كيف تنطق من على مسارح العالم. وتانيا سونك ملاعب، شريكته في الفنّ والحياة، لم تعد مجرّد عازفة كمان... بل أصبحت مرآةً للروح االبنانية حين تتحوّل الأنثى إلى قوسٍ يشدّ الجملة الموسيقية بشغف واحتراف.
ولأنّ الموسيقى لا تكتمل إلا بالخلق، فإنّ البرنامج الليلة لا يقف فقط عند عبقرية موزارت، بل ينهل أيضًا من روح لبنانية خالصة: المؤلف اللبناني جمال أبو الحسن، الذي يكتبنا من الداخل، بلغةٍ لا تحتاج إلى ترجمة."
كما شكرت قواس المايستروماسيميليانو ماتيسيك الذي سيحمل اليوم التنوع الموسيقي بفرادة
وأضافت القواس: "أشكر المايسترو ماسيميليانو ماتيسيك الذي سيحمل اليوم التنوع الموسيقي بفرادة".