في مسرحية "كلو مسموح"، تصنع كارول سماحة معجزة التخطي. هناك، على مسرح كازينو لبنان، الكثير من الفن، وأغمار الحب، وأكثر منهما الفرح الذي لا يجيده إلا صُنّاع الأمل والحياة.
كارول سماحة... نجمة تصنع المعجزة
كارول سماحة بطلة، ليس لأنها الاسم البراق الذي يصنع الجاذبية، بل لأنها قادرة على صنع اليقظة؛ تيقظ في حضورها جمهور يحتاج جرعة ثبات، فكانت ركيزة. جمهور يبحث عن التحدي في الصمود، فكانت رأس حربة، تُطوّع ملكاتها الفنية رقصًا وغناءً وحضورًا يشبه ملكات الزمان، خالعة ثوب الانكماش، لابسة ثوب البريق الذي أغشى الجميع.
عرض فني راقٍ يلامس الروح
ساعتان من الرقص والغناء والتمثيل، مع فرقة موسيقية تعزف النغم حيًا، فتصبح الصالة سمعًا للوتر الرقيق النضر، وفرقة رقص تعبّر عن كل أمزجة الصخب والحب والانكسار في الحياة.
يؤدون بحركاتهم فعل الطيران، أجساد رشيقة تسبح في فضاء الضوء، وأحيانًا تتحول الأجساد المطواعة إلى خيالات رشيقة ترسم المشاعر على شكل خطوات وطيران وتسلق وزحف، كأنهم روح تهوى الانبعاث وتفضل تجسيد المشاعر بحروف الجسد.
مسرحية "كلو مسموح" نغم وكلام ورقص وغناء وحركة على مدى اللهاث وخفقان النبض.
كارول سماحة تنبثق كشمس في زمن الغمام والكدر، تسطّر ملحمة الذهول، وتبتكر معاني الفرح، شخصية إن أطلت أبهرت، وإن غنّت، رحلت بك في سفرة النغم البعيد، حيث الحدائق تنبت والعطر يفوح.
"كلو مسموح": من الحزن إلى الانبعاث
كارول شخصية خلاقة، تُخرج لبًّا من لب، وتُقشر نفسها كأنها برعم يتحول من زهرة إلى ثمرة، وفجأة تصبح ناضجة لتكون مشتهى للعيون والأذواق. إنها امرأة التحولات التي تعرف كيف تولد شرنقة لتصبح فراشة.
كارول، إن حضرت على المسرح، تصبح ممشوقة كسهم يطال الروح فيوقظ الدهشة. تأخذ الجو في رحلة الولادة والأداء، ترقص كامرأة من روح فقط، وتغني كأنها كلها حنجرة ونغم.
المرأة المكسورة تسيطر على الأجواء وتصنعها على طريقتها: ساحة شغف، وشبق، وأنوثة، وفن. تعتلي العيون وتنتشل كل مُحبط من هوّته، وكل حزين من دمعته، وتكتب على جبين كل من حضروا مسرحيتها أن الحياة جليلة، والكبار فقط يجارون مساراتها المُرة والصعبة.
نعم، كارول تضحك وتسخر، وتتحلى بروح مرحة، وتغني كما لم نعهدها. إنها في أنقى وأفضل أداء ممكن في هذا العمل المسرحي. كارول المكسورة تُجيد طمر حزنها، وترتدي أثوابًا من خارج الواقع، وتحطّ على أفنان الفرح، تغرّد المعجزة أنشودة.
قامة لا تعرف الانكسار
كارول، في كل مرة، تثبت أنها مختلفة. وفي كل وقفة، تصمد كوتد أخضر لا يلين، بل يرتفع نحو العلا.
مسرحية المرح والفرح والفن أدتها بحرفيتها المعهودة وبأعلى جرعة ممكنة. قادرة على بثّ رذاذ النشوة بخطواتها المتزنة، وقامتها التي لا تعرف الانكسار، وصوتها الذي يرتفع بليونة الطرب.
دور كارول، بين غناء ورقص وتمثيل وحركة لا تهدأ، يقول فرادتها. فما قامت به كارول لا يستطيع سواها في هذا الوطن الكبير أن يقوم به، مهما بلغوا. إنها شريهان الأمس وكارول الحاضر.
يوم خافت من الخمسين، كرّست اليوم أن الخمسين يافع ونضر وشاب، لا يجسده إلا أصحاب الهمم والإرادة.
باختصار، كارول فنانة من خارج السرب، اختارت مكانتها، وتفرّدت، وأبدعت، وسطّرت الفن الراقي الصعب الذي لا يُجيده إلا أصحاب المواهب والقدرات الفذّة.
إبداع لبناني ببصمة عالمية
اجتمع آل خوري في هذا العمل التحدي. نايلة خوري إنتاجًا ضخمًا في ظروف صعبة، وروي خوري إبداعًا في الكتابة والإخراج والبطولة، ومعهما الأب عبده خوري داعمًا من أجل نهضة الفن والمسرح.
هذا العمل المُسرف، مجازفة في وطن يعيش على اهتزازات عدم الاستقرار؛ فمرة أُجّل العرض في تشرين بسبب الحرب، والآن أُجّل مرة أخرى بسبب مصاب كارول الحزين، وفي كل مرة تجتمع الإرادة ليبقى العرض نابضًا وحقيقيًا.
في عمق المسرح، يقف موسيقيون مع آلاتهم بقيادة إيليو كلاسي، يصنعون حكاية النغم، لتبحر سفينة "كلو مسموح" المقتبسة من مسرح برودواي "Anything Goes" نحو عالم من الأحلام والحقيقة والحب والمرح.
جمالية هذا العرض تكتمل بحضور فؤاد يمين ممثلًا وكاتبًا، فحسّه الذكي المرح يُستدل عليه في كل قفشة، وكل حوار ذكي.
"كلو مسموح" عمل فني يوقظ فينا الحماسة، ويدير أرواحنا نحو الانعتاق، ويثبت فينا الفن كشريط روحي انتقل من الأبطال نحونا، فرفعوا أمزجتنا، وخرجنا مدللين، مُنشدين، هائمين، وفي بالنا أن الحزن انكسار… فإذا به تجلٍّ وجمال.