TRENDING
Reviews آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

"المدينة البعيدة" والهيبة: هل تفوّقت النسخة التركية على الأصل العربي؟

"بين المدينة البعيدة" و"الهيبة" اختلافات جوهرية، تثير تساؤلات منها: لماذا يجتهد الأتراك حين ينفذون فكرة عربية بينما يعتمد العرب النسخ الحرفي فتضيع هوية المسلسل؟


منذ عرض حلقاته الأولى، استطاع المسلسل التركي "المدينة البعيدة" أن يلفت الأنظار ويحقق نسب مشاهدة مرتفعة، ليصبح واحدًا من أنجح الأعمال الدرامية في الموسم. ورغم أن قصته مستوحاة من المسلسل العربي الشهير "الهيبة"، إلا أن المعالجة التركية جاءت بروح جديدة وأسلوب مختلف، ما جعله يحصد الإعجاب والنقاش على نطاق واسع.


قصة مألوفة بروح تركية مختلفة

المسلسل أعاد تقديم الهيكل العام لقصة "الهيبة"، لكن بروح تركية واقعية، تدور أحداثها في مدينة ماردين العريقة. هذا التغيير الجغرافي والثقافي أضفى على العمل عمقًا خاصًا، فابتعد عن أجواء العشائر التقليدية وقدم بيئة أقرب إلى الدراما الاجتماعية الهادئة، مع خلفيات طبيعية خلابة جعلت من ماردين بطلة بصرية للمسلسل.


أوزان أكبابا: أداء ناضج يليق بالبطل المعقّد

أوزان أكبابا، الذي عرفه الجمهور سابقًا بدور "إيزو" في مسلسل "الحفرة"، يقدم في "المدينة البعيدة" شخصية "جيهان ألبورا" بقوة وتمكّن لافتين. بعكس شخصية "جبل" في "الهيبة" التي بدت أحيانًا مثالية لدرجة المبالغة، يظهر "جيهان" كبطل له لحظات ضعف، وصراعات داخلية، مما يجعله أكثر واقعية وقربًا للمشاهد.


دراما متزنة بعيدة عن التهويل

العمل يتسم بتوازن واضح بين الحركة، العاطفة، والجانب العائلي، دون أن يغرق في التهويل أو الخطاب البطولي الزائد. وبدلًا من التقاليد الفولكلورية المبالغ فيها، يعالج "المدينة البعيدة" قضايا مثل السلطة، الماضي، والخوف من فقدان الذات، بلغة درامية محسوبة ومقنعة.


ماردين.. شريك نجاح خفي

اختيار مدينة ماردين كموقع للتصوير لم يكن عشوائيًا. فالمدينة ذات الطابع التاريخي والثقافي الغني لعبت دورًا في تعزيز أجواء العمل، كما ساهم المسلسل في تنشيط السياحة الداخلية نحوها، حيث لاحظت الصحف التركية ارتفاعًا في نسبة الزوار بعد عرض الحلقات الأولى.


طاقم تمثيل متكامل وسيناريو ذكي

لم يكن أوزان أكبابا وحده نجم المسلسل، فقد برزت أيضًا الممثلة سينام أونسال بدور "هيرا"، التي خرجت عن القالب النمطي لشخصية الحبيبة الضعيفة، وقدّمت نموذجًا لامرأة تواجه العادات والتقاليد بقوة واستقلالية. السيناريو أيضًا كان محكمًا، متناغمًا في تسلسل الأحداث، دون فجوات درامية أو قفزات غير منطقية.


مقارنة بين "المدينة البعيدة" و"الهيبة"

على الرغم من أن "المدينة البعيدة" و"الهيبة" يتشابهان في بعض الجوانب، إلا أن هناك عدة اختلافات جوهرية ساعدت على نجاح المسلسل التركي.

أولاً، بينما تدور أحداث "الهيبة" في منطقة جبلية حدودية غير محددة جغرافيًا، اختار "المدينة البعيدة" مدينة ماردين التركية التاريخية، مما أضفى أجواء أكثر واقعية وجاذبية بصرية على العمل. كما أن شخصية "جيهان ألبورا" التي يجسدها أوزان أكبابا، تتسم بعمق داخلي، فهي ليست مجرد شخصية بطل خارق، بل رجل له ضعفاته وتناقضاته، ما جعله أقرب للمشاهد مقارنة بشخصية "جبل" في "الهيبة" التي كانت أكثر مثالية ودرامية.

أما بالنسبة لأسلوب المعالجة، فقد قدم "المدينة البعيدة" دراما متزنة، بعيدًا عن التهويل الزائد، وأبقى على توازن بين العاطفة والحركة والجانب العائلي، بينما اعتمد "الهيبة" في بعض الأحيان على أحداث مثيرة لم تكن دائمًا منطقية أو واقعية.

من ناحية التأثير المجتمعي، استطاع "المدينة البعيدة" أن يُعزز السياحة إلى مدينة ماردين، في حين ظل تأثير "الهيبة" مقتصرًا على نطاق العمل فقط دون أن يمتد إلى المدينة التي دارت فيها أحداثه.

برأيكم هل تفوق التركي على الأصل العربي؟


"المدينة البعيدة" ليس مجرد نسخة مكررة من "الهيبة"، بل هو إعادة صياغة ذكية لقصة معروفة، بأسلوب تركي يجمع بين البساطة، العمق، والجاذبية. نجح المسلسل لأنه عالج القصة من منظور إنساني، بعيدًا عن التهويل والعنف المبالغ فيه، وهو ما جعله يلامس جمهورًا أوسع، ويضع بصمته كأحد أنجح الأعمال التركية في عام 2024.

يقرأون الآن