في خطوة فنية لافتة، يستعد النجم التركي تانير أولماز لتجسيد شخصية الإمام الغزالي، أحد أعظم المفكرين والمتصوفين في التاريخ الإسلامي، ضمن عمل درامي جديد سيُعرض على منصة "تابي" الرقمية.
المسلسل، المقتبس من السيرة الذاتية الحقيقية للإمام، دخل مرحلة التوقيع والإعداد، ويُتوقع أن يكون من أبرز الإنتاجات الفكرية والتاريخية في المنطقة.
العمل سيغوص في أعماق حياة الغزالي المليئة بالتقلبات الفكرية والروحية، متنقلاً بين المجد العلمي والأزمات الوجودية، وبين محطات التيه واليقين. فمَن هو الإمام الغزالي الذي تستعد الكاميرا لتروي حكايته؟
من طوس إلى العالم: بداية حكاية العقل والروح
وُلد أبو حامد محمد الغزالي عام 1058م في مدينة طوس بخراسان (إيران اليوم)، وسط بيئة فقيرة لكنها مشبعة بالعلم والدين. بعد وفاة والده، تولى تربيته رجلٌ صالح، دفعه إلى طريق العلم مبكرًا.
التحق بمدارس نيسابور وتعلم على يد كبار علماءها، وعلى رأسهم إمام الحرمين الجويني، حتى أصبح أحد ألمع طلابه، متقنًا الفقه، والأصول، والمنطق، والفلسفة.
نجم في سماء بغداد: الغزالي في قمة المجد
بدعوة من الوزير السلجوقي نظام الملك، انتقل الغزالي إلى بغداد لتدريس العلوم الشرعية والعقلية في المدرسة النظامية.
في سن صغيرة، صار اسمه يسبق خطاه، وأصبحت دروسه محجًا للطلاب والعلماء. كتب خلال هذه الفترة أشهر مؤلفاته العقلية، أبرزها:
مقاصد الفلاسفة
تهافت الفلاسفة – وهو الكتاب الذي رد فيه على آراء ابن سينا والفارابي، وأسس فيه لمدرسة نقد الفلسفة بالعقل الديني.
أزمة الشك الكبرى: حين سكت العقل وتكلم القلب
رغم كل المجد، أصيب الغزالي باضطراب داخلي. بدأت رحلة الشك، وشكّ حتى في صدق نيّته في طلب العلم. توقف عن التدريس فجأة، وفقد قدرته على الكلام، وقرر الانسحاب من الحياة العامة.
في عام 1095م، خرج من بغداد متجهًا إلى الحج، ومنها بدأ سنوات من الاعتزال والتأمل. زار مكة، المدينة، الشام، القدس، ومصر، وعاش كمتصوف زاهد يبحث عن “الحق الذي يسكُن الروح لا المنطق”.
العودة من التيه: الغزالي المتصوف والمُصلح
بعد أكثر من 10 سنوات من العزلة، عاد الإمام الغزالي إلى نيسابور، لكنّه لم يكن كما كان. لم يعد ذلك العالم المنطقي الصارم، بل رجلٌ أدرك أن طريق النجاة يبدأ من القلب.
كتب في هذه المرحلة أشهر أعماله الروحية:
إحياء علوم الدين – موسوعة إيمانية جمعت بين الفقه والتزكية
المنقذ من الضلال – سيرة فكرية عميقة عن رحلته من الشك إلى اليقين
ميزان العمل والاقتصاد في الاعتقاد
النهاية: رحيل العقل الذي تذكّر الله
توفي الإمام الغزالي عام 1111م في مسقط رأسه طوس، عن عمر لم يتجاوز 53 عامًا، لكنّه ترك أثرًا لا يُمحى. مزج في إرثه بين العقلانية والتصوف، بين النقد والسكينة، وساهم في حماية الفكر الإسلامي من تغوّل الفلسفة المجردة.
عمل درامي يليق برجل هزّ العقول
مسلسل "الإمام الغزالي" من بطولة تانير أولماز يفتح الباب أمام جمهور اليوم لاكتشاف رجلٍ عاش صراعًا بين العلم والروح، وجعل من شكّه طريقًا إلى يقين لم يُورّثه إلا للباحثين عن الحقيقة.
هو ليس مجرد مسلسل، بل مرآة لرحلة إنسانية خالدة.