في أجواء لم تكن تعرف الاستقرار، ومع دوي الغارات الجوية التي كانت تهز القاهرة خلال الحرب، استمرت عجلة الفن تدور رغم كل شيء. وكان من بين أبرز نجوم ذلك الزمن الفنان الراحل محمد فوزي، الذي عايش الحرب من قلب كواليس تصوير أحد أفلامه، ليشهد موقفًا لا يُنسى من طرائف السينما المصرية.
كان فريق العمل يصوّر مشاهد خارجية في أحد شوارع القاهرة، وسط ظروف متوترة، وفي ظل مخرج اشتهر بعصبيته المفرطة، وصوته العالي، وصرخاته التي لا تهدأ تجاه الممثلين والممثلات، سواء أخطأوا أو لم يفعلوا. كان معروفًا بأنه لا يتساهل أبدًا، ولا يترك مشهدًا يمر دون شخط ونطر!
وفجأة، انطلقت صفارات الإنذار معلنةً اقتراب غارة جوية، فتوقّف التصوير على الفور، وركض الجميع إلى أماكن آمنة. مرت دقائق الترقب الثقيلة حتى أعلنت صفارات الأمان انتهاء الخطر. عندها بدأ فريق العمل يعود تدريجيًا إلى موقع التصوير، لكن شيئًا كان غائبًا... أو بالأحرى، شخصًا كان غائبًا: المخرج نفسه!
بحث الجميع عن الرجل الذي كان يملأ المكان صراخًا، ويمشي متبخترًا كالأسد، لكن لا أثر له. مضت ساعتان من البحث في المناطق المحيطة دون جدوى، حتى عُثر عليه أخيرًا... مختبئًا تحت أحد التاكسيات!
ضحك محمد فوزي وفريق العمل، وعلّق قائلًا:
"وهكذا انطبق عليه المثل: أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة!"
لحظة نادرة من كواليس الزمن الجميل
هذه الحكاية الطريفة، التي رواها محمد فوزي بنفسه، ليست مجرد نكتة عابرة، بل توثيق صغير لعصر كان فيه الفن مقاومة من نوع خاص. ففي زمن القنابل والخوف، كان الفنانون يُبدعون تحت الخطر، ويواجهون الصعوبات بجرأة، بينما تختبئ "الأسود الكرتونية" تحت السيارات!
ويبقى هذا المشهد من طرائف كلاسيكيات السينما المصرية، يذكّرنا أن خلف الكاميرات، هناك دائمًا قصص توازي روعة ما نراه على الشاشة.