TRENDING
Reviews

فضل شاكر وابنه محمد في "كيفك ع فراقي"… ديو يغسل الفن من تلوّثه

فضل شاكر وابنه محمد في


يخيم السمع في حضرة الصوت. نغمٌ يأتي كنسيم المرتفعات، باردًا ناعمًا، يحفّ بأروقة السمع فيصلبها للإصغاء.

فضل شاكر ومحمد شاكر في ديو "كيفك ع فراقي"، أغنية اللحن التي تُشذّب الغناء وتُبقي على رنين المشاعر المسافرة في رحلة إعجاز جمالي.


صوتان في واحد. حنين، وانتقال، وتماهي. الأب والابن يُنشدان روحًا واحدة اجتمعت وتداخلت، فضاع الصوتان في خلطة من سلام وتسليم.

في وهلة السمع الأولى لا تنتبه لما يُقال، مجرد أن لَعِبت الموسيقى وارتفع أول الصوت، تبدأ رحلة الاغتسال. يخيم نوع من الطهر الصوتي، ويتم الانتقال في رحلة نحو الصفاء والرقة، وأحضان تتجسّد في حنجرة. ينسلخ القلب، يغور في جمالية نادرة، تطفو الأجواء بالسحر، ويتم الترحال في عوالم من إصغاء، وتبدأ الصور بالتشكّل.


أغنية تشرع الأبواب الداخلية 

صور من أحلام تتجسّد، تنقلك النغمة من هذا البقاع الضيّق نحو بقاع الكون. صوتٌ يُشرع الأبواب والنوافذ الداخلية، ويكسر أعمدة الدعم الواقعية، لنصبح في مكان آخر، وزمن آخر، وشعور آخر. هذا النوع من الفن المهيب، عندما يَسطو، يحقّ له الانحناء.

كل شيء جاء كاملًا: اللحن المعزوف على أوتار من روح، الصوت المختلط بأعماقٍ بكر، وعذوبة الكلمات المتناقضة في معناها، المتحدة في سياق حقيقتها:

"كذبة وصدقتها

كانت أكبر كذبة عشتها

إني إنساك، ومن وقتها

ما قدرت نسيت

عم عاند ماضي، بضحك وبقول عادي عادي

والهيئة كله ع الفاضي

هلأ توعيت"

الكلمات، لو أتت حافية، مجرّدة، لوحدها، تعلن عزفًا داخليًا، تُنبت ورودًا وأشواكًا، وتردّ الجواب سؤالًا، وتُعلن الكذبة حقيقة.

يُضاف إلى الكلام لحنٌ من سماء وصفاء، ويُكمل بصوتين يهدران في نهر الإحساس، فيختلط الماء بالماء، وتجري العذوبة في مجرى الترحال البعيد، حيث مصبّات الحب الشائقة.


يحولان الفن نعمة 

فضل ومحمد شاكر يغزلان حالة، ولا يقدّمان أغنيةً بتنا نسمع منها الكثير يوميًا. يصنعان فنًا يضمّ سامعيه بشمس شارقة في عتمة الأيام، ويرفعان نجمًا في ليل المحبين، ويحوّلان الفن نعمة ترتعش لها الأرواح من صدى جمالها.

ديو فضل ومحمد شاكر أثيري، فهما يحيكان منظومة الاستمرار الفني بقريحة تمتد نحو الشفق البعيد. يؤلفان حالة إصغاء تُنظّف ما حولها، لتُبقي على الصوت الأوسع والأنقى، ويجسّدان ضمير الأغنية التي لا تقبل سوى الجيّد، ويتحدان في دثار علويّ يُعلّمنا معنى الغناء الحقيقي، الذي ينقلنا نحو عالم التعزية، حتى لو كان هذا العالم أليمًا وقاسيًا.

أغنية "كيفك ع فراقي" من كلمات: سمر الهنيدي، ألحان: وائل الشرقاوي، توزيع: حسام الصعبي.