الظاهرة الفنية ابن عامين في الغناء، الملقب بالشامي، غير متداولة باقي هويته. حضر متأخرًا إلى مهرجانات "أعياد بيروت"، هذا الحدث الفني الكبير الذي يعيد لبيروت رونقها ويزينها كمدينة فن وحياة.
التململ على الكراسي كان صعبًا، والشوق كبير لملاقاة الشاب الفنان الذي سرى اسمه كنارٍ في هشيم، لكنه في النهاية جاء. ولم تكن لحظات انتظاره فارغة، بل مملوءة بموسيقى DJ فيني، الذي يجيد نشر الأنغام القديمة والحديثة ويوحّد في أنغامها جموع الناس الذين أتوا من أعمار وهويات متعددة ليلتقوا الظاهرة.
ليلة الشامي في بيروت، كما باقي أمسيات "أعياد بيروت"، أتت على تنظيم رفيع المستوى، ورقيّ استقبال، وحفاوة. عشرات وربما المئات تضافروا لإتمام هذا الحدث الفني ليكون بأعلى أبهة وأفضل تقديم، وبمواصفات راقية.
حضر الشامي ملفوفًا بأحجية سوداء، والراقصات المحترفات حوله يفلحن أرض المسرح رقصًا وبلاغة جسدية.
فُكّ أسر الفنان من تحت البطانية السوداء، وظهر ببياض بدلته الناصعة، التي قالت عنها إحدى الحاضرات إنها "بدلة لاعب كاراتيه". لكن الشامي لا يلعب كاراتيه، بل يغني. الجمهور نهض وصرخ وزعق لحضور الفنان المنتظر، ونحن بانتظار أن ينبلج الصوت، فإذا بالجو ركود.
رحل DJ فيني، وتركنا لقدرنا مع الشامي. موسيقي واحد يجلس في زاوية المسرح ذات الإضاءة الخفيفة على الصنوج، ليس إلا. هذه هي الفرقة الموسيقية التي أتى الآلاف من أجل سماعها. حضر ببدلته البيضاء التي تزيغ النظر، وغنّى كل أغانيه الضاربة، التي لا تستطيع أن تملأ الوقت، فأعاد أغنية "دكتور" ثلاث مرات، علّ وقت حضوره يكون منطقيًا.
الشاب الفنان، الذي نُفخ صيته وكأنه جبار الغناء ومنقذ الذائقة، لا حضور في حضوره. فقط البدلة كانت حاضرة، بقوة بياضها المثير في ليل العتمة، وهو يغني كأنه يمشي على كورنيش ممل، في حالة انتظار. والجمهور، وقوفًا وجلوسًا، كأنهم في غربة عنه.
بدا كأنه يغني من خلف شاشة مطفأة، لا يرى ولا يشعر بكل هذه الأنفاس حوله، سوى أنه بين الحين والآخر يعيد جملته الشهيرة "حب وحنان"، حتى بدت كأنها جملة من مقطع هزلي، لا تُرمم حضورًا باهتًا، ولا ترفع قامة بلا كاريزما.
هذا هو الشامي، فنان أغنية "صبرا" التي حظيت بملايين الأسماع، لكنها لم تحظَ بلهيب جمهور حاضر جاء ليشهد على بطل "صبرا" الذي بدا ناعسًا.
حضر متجردًا من فرقة موسيقية، غنّى كأنه في مأتم، يروح ويأتي على المسرح بقدم مشلولة، وصوت وحيد، لا تفاعل ولا تواصل.
هل هذه هي الظاهرة الفنية التي قالوا عنها ولم تُصب؟ هل ما يغنيه مفهوم؟ بدت الكلمات ممضوغة، غير مفهومة. قالت إحدى الجالسات: "هل يغني بالعربية، أم أن ما يغنيه تركي؟"
الطفلة أليس، المتشوقة لملاقاة نجم الجيل وفنان العصر الذي بدأ يشكّل ذاكرتها، رقصت كثيرًا، ورقص معها كل الحضور، حتى لحظة قدوم الشامي. توقفت عن الرقص، نظرت إلينا وقالت: "مش حرزان". لم يُطرب الشامي الطفلة التائقة إليه.
ليلة الشامي في بيروت كانت نكسة. إنه أشبه ببالون منفوخ، وعندما أضاء المسرح على قامته، ثُقب، ولم يبقَ منه شيء.
ليلة بدون فرقة موسيقية، ليلة ضئيلة. ليلة بدون ريبيرتوار غنائي دسم، ليلة مرّت على ثقل.
هل باتت الظواهر الفنية تُصنع في معامل، وتُحضّر وتُلمّع، ثم تُقدَّم للجمهور على أنها فذة عصرها؟ وإذا بها عابرة سبيل، لا يمكن القول عنها سوى: صوت جميل يمكن أن يغني. وهناك الملايين من الأصوات الجميلة النائمة في البيوت لا نعرفها، وهذا نعرفه، ولا نعرف ماذا يغني، وكيف صار له هذا الحشد الذي أتى إليه وغادر الحفلة مبكرًا، يحمل ملله ومصابًا بصدمة الفراغ المملوء بأخبار كاذبة.
الشامي في بيروت: فضيحة الغناء على المسارح وفي المهرجانات. فهو، في أقصى الأحوال، يصلح لأن يغني في Pop ليلي بعد منتصف الليل، حيث السمع يكون مطموسًا، والمزاج بات حاضرًا، وموسيقى الصنوج والـBeat التي يعتمد عليها الشامي قادرة أن تُرقّص السكارى مشلولي الإدراك.
-