أربعون عاماً عمراً يانعاً وشاباً وهذه هي سنوات عمرو دياب في الغناء. ابن الستين لا زال يافعاً يغني لأجيال بعضها لفحها الشّيب وبعضها ما زال يتدرج نحو المراهقة.
فنان الشباب والشيب
انه فنان الأجيال، عرف كيف يحافظ على سليقة حضوره في زمن تغير فيه كل شيء. بقي على هضبته قادراً ان يخاطب الجميع بلحنه وصوته ويبقى شاباً في فنه لا يخبو بل يزداد سطوعاً ويحقق ما لا يستطيع سواه من الأجيال الشابة الفنية أن تحققه.
لغز هذا الفنان
لغز هذا الفنان أنه قادر أن يبقى على روح متجددة لا تكبر ولا تشيخ بل يعالج فنه بمعطيات شابة تبقيه على أبهة النجومية المستمرة.
عمرو دياب لا يغني ذاك الإعجاز الفني ولا تلك المطولات الموسيقية بل يغني البوب والشعبي والكلمة المطروقة من العامة. وبقيت كلمته طازجة لا تذبل ولحنه معزوفة يرددها الجميع ليكون فنان تخطى الجميع سواء بعدد الجوائز الموسيقية العالمية أو دخوله موسوعة غينيس لأكثر مبيعات واستماعاً في الشرق الأوسط.
لا ملاحم غنائية بل نبض الشارع
لم يغنِ عمرو دياب ملاحم غنائية ومطولات وتشكيلًا موسيقيًا معقدًا، بل بقي عند حدود الشعبي البسيط، ذاك الذي قد يسهل حفظه وترديده، لكن عند عمرو تحوّل إلى صناعة متقنة، تعرف تمامًا متى تُطرِب، ومتى تُدهش، ومتى تلتقط نبض الشارع.
في فنه شيء من الذكاء التجاري، لا يخلو من البُعد الجمالي. يدرك الرجل أن الأغنية ليست فقط نغمة تُعزَف، بل صورة تُرى، وإيقاع يُراقَص، وإحساس يغمر. وربما هذا ما جعله متقدمًا بخطوات على جيله ومن جاء بعده؛ لأنه ببساطة، لم يعتمد على صوته فقط، بل على بناء مشروع فني متكامل، يُحدث الضربة ويُحسن التوقيت.
يغير جلده دون أن يفقد ملامحه
المفارقة أن عمرو دياب لم يركن يومًا إلى نجاحه. بل ظل يعيد إنتاج نفسه بذكاء، يغيّر جلده من دون أن يفقد ملامحه، يدخل في صفقات مع الموضة، ومع التقنية، ومع الذائقة المتغيرة، من دون أن يبدو دخيلًا أو متكلفًا. من موسيقى التسعينيات إلى "الألترا بوب" ومن كلمات مجدي النجار إلى كلمات تقترب من العامية اليومية الرائجة التي تكتب على عربات التاكسي. ظل دياب يقدّم وجوهًا جديدة من نفسه، ويمنح جمهوره فرصة أن يكبر معه، أو أن يولد معه من جديد.
ليس نخبوياً لكنه ظاهرة فنية
عمرو دياب لم يكن فنانًا نخبويًا ولا أكاديميًا، لكنه كان نجمًا لا يُشبه أحدًا. ظل مغنيًا تجاريًا بمفهوم السوق، لكنه لم يسقط في الابتذال. حافظ على صورة "الفنان الكامل" كما يحب هو أن يُقدّم نفسه: حضور، شكل، صوت، كاريزما، وتوقيت.
ربما لا يُذكر اسمه في سرديات الموسيقى الكلاسيكية، ولا تُدرّس أغانيه في معاهد الموسيقى بوصفها نماذج للابتكار اللحني، لكنه سيُذكر طويلًا كظاهرة فنية تجاوزت قيود النوع والأسلوب، وكواحد من القلائل الذين فهموا أن الفن، ليبقى، لا بد أن يتقن فن البقاء. وهذا بحد ذاته ضرب من الإعجاز.