"بترحل" لرامي عياش .. ثلاث دقائق ملحمية من الصوت الكبير والموسيقى العظيمة
رامي عياش في "بترحل"... حين يغنّي الحزن بملامح ممثل وقلب عاشق
ثلاث دقائق ملحمية يقدمها رامي عياش بذاك الشجن الذي يبدو كصراخ الأعماق على الفراق.
في أغنيته "بترحل"، يقدّم رامي عياش أداءٍ من حزن ونغمة تختصر مشهدًا دراميًا غنائيًا متكاملًا، تتقاطع فيه الموسيقى مع التمثيل، والحنين مع القوة، والدمعة مع الكبرياء.

منذ اللحظة الأولى، يتسلّل الصوت بخفوتٍ مبحوح كأنّه آتٍ من تحت رماد وجعٍ قديم. هناك شيء من الاعتراف في نبرته، وشيء من الانكسار الجميل الذي لا يُخفيه.
"يا حبيبي شو مشتاق لضمّك..."
عبارة تُفتح بها الأغنية كصفحة من رسالةٍ لم تُرسل، يقرؤها رامي بعينٍ دامعةٍ وصوتٍ يترجّف من الشوق.
ثمّ تبدأ الموسيقى بالتكاثف، يتصاعد الإيقاع قليلًا، لكنّ الوجع يزداد عمقًا.
إنها أغنية تتبدّل أنفاسها مثل موج البحر: تهدأ حينًا وتعلو حينًا آخر، لتروي حكاية فراقٍ لا يُشفى منه الزمن.
رامي في هذه الأغنية ممثل الصوت الجميل . ينتقل في ثلاثة أدوار مختلفة. من الحزن والرثاء إلى الإيقاع والحوار ثم الغوص في الانين الجارح.
يغيّر طبقاته الصوتية كما يغيّر الممثل ملامح وجهه، يبدل اللحن كأنه يغني معلقة غنائية. لحنها وكتبها رامي عياش بكل بصمة فيه بكل جرح بكل ألم.
يتنقّل بين النشيج والتمسّك، بين الحنين والغضب، بين الانطفاء والاندلاع.
وفي كل مرة يرتفع فيها صوته، نشعر كأنه ينتزع نفسه من الذاكرة، ليعود في النهاية ويغرق فيها من جديد.
"وبتعرف إنّه دموعي راحت تسأل عنك وين..."
في هذا المقطع، يبدو وكأن الأغنية تنقلب إلى مونولوغ مسرحي، يخاطب فيه الغائب كمن يخاطب ظله، صوت البيانو يتسلّل بين الجمل كدمعةٍ على الخد، فيما تتناثر النوتات كحروف لا تكتمل.
إنها أغنية بُنيت على التناقض الجميل بين القوة والهشاشة، بين غناء مبحوح جميل وبكاء القلب.
وفي نهايتها، حين يهمس: "خايف بكرا تبقى ذكرى..."، تنغلق الدائرة، ويتركنا الصوت على حافة صمتٍ كبير، كأن كل الموسيقى قد انسكبت لتفسح المجال لدمعةٍ واحدة... هي خلاصة الحكاية.
رامي عياش في "بترحل" يغني كمن يعيش حالة فراق حقيقي ويمثل بصوته كممثل على مسرح الأداء.
صوته يتحوّل إلى مرآة، يرى فيها المستمع وجهه، حزنه، وانكساراته.
هذه الاغنية الحزينة يمكن أن يفهمها أي انسان لا يفهم اللغة العربية فهي قائمة على لغة الموسيقى التي تترجم المشاعر كحس ملموس ويعاش.
الاغنية من كلمات: رامي عياش ومازن غنام والحان رامي عياش.