TRENDING
Reviews

"أنا جورجينا".. مسلسل فارغ إلا من الكثير من الثرثرة والفساتين

نادراً ما يحصد عملٌ فنيٌ إجماعاً، إلا أنّه ثمّة ما يشبه الإجماع على أن مسلسل "أنا جورجينا" الذي يسلّط الضوء على جورجينا رودريغز حبيبة نجم كرة القدم كريستيانو رونالدو، والذي تستعد "نتفليكس" لتصوير موسم ثالث منه، هو واحدٌ من أفشل أعمال المنصّة، أقلّه من الناحية النقدية.

فقد حاز المسلسل المؤلّف من 6 حلقات في موسمه الأوّل الذي عرض أوائل العام 2022 على 3.8 على 10 تصنيفاً على  IMDB، ثم ارتفع التصنيف إلى 4 على 10 في الموسم الثاني المؤلف من 6 حلقات أيضاً، والذي عرض في ربيع 2023، وهو تصنيف يعني حكماً أنّ العمل لا يستحقّ المشاهدة، وأنّه مجرّد مضيعة للوقت، وأنّك تشاهده فقط لتعرف لماذا قامت المنصّة العالميّة بإنجاز ستّ حلقات من موسمين، عن امرأة  ليس لديها إنجازات سوى أنّها خطفت قلب رونالدو وأنجبت منه ابنةً وكانت حامل بتوأمين منه عندما صوّرت الموسم الأول، لتصوّر الموسم الثاني بعد إنجابها الطفلين ووفاة أحدهما.
 تتساءل ربّما قد يكون لدى هذه المرأة قصّة ملهمة، أو مثيرة بالحدّ الأدنى الذي يجعل منصّة عالميّة تفكّر بإنتاج مسلسلٍ عنها وليس عن رونالدو، ويتزامن عرض موسمه الأوّل مع وثائقي neymar the perfect chaos   "نيمار الفوضى المثالية" عن نجم الكرة البرازيلي، الذي حقّق نسبة مشاهدة مرتفعة وإشادة من النقّاد.


لا قصّة ولا عبرة

تفاجىء لدى مشاهدة المسلسل بأنّ جورجينا لا تملك صفة سوى أنّها حبيبة رونالدو، لا قصّة مثيرة، ولا عبرة تخرج بها من الحلقات الستّة سوى أنّ حلم بعض الفتيات بأن يتحولن إلى سندريلا يخطفها الأمير على حصان أبيض ويسكنها في قصره بعد أن كانت تعيش ظروفاً مزرية قد يتحقّق.

تجلس جورجينا لتروي قصّتها، ومع تقدّم الأحداث تكتشف أنّ قصّتها لا تستحق أن تُروى، هي قصّة ليس فيها ما هو مثير للفضول والدهشة، وليس فيها ما يقدّم عبرة ودرساً، هي مجرّد فتاة جميلة، كانت تعمل في محلٍ شهيرٍ لبيع الملابس، التقت صدفةً بنجم كرة القدم الشاب، الشهير والوسيم والثري، أعجب بها من النظرة الأولى.

تقول جورجينا إنها كانت تعمل من العاشرة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، وتأتي إلى عملها بالحافلة وتعود منه بسيارة رونالدو البوغاتي.

لا يقف العمل عند تفاصيل العلاقة كيف بدأت، كيف انتقلت جورجينا للعيش في قصر رونالدو، فقط تحدّثنا أنّها في زيارتها الأولى إلى المنزل، تطلّب منها الأمر أكثر من نصف ساعة لتعود من المطبخ إلى غرفة الجلوس.

بساطة جورجينا

تبدو جورجينا بسيطة لم تغيّرها الشهرة ولا المال، نراها امرأة بسيطة، تغيّر أثاث القصر الكبير بأثاث أكثر بساطة، تعرض القطع التي تريد التخلص منها على موقع لبيع السلع المستهلكة. حتى في ملابسها، تختار ملابس من ماركات عالمية وأخرى زهيدة الثمن، لكن عدا عن ذلك لا يرينا المسلسل شيئاً، هو يكاد يكون مصوّراً في خزانة جورجينا.

ففي حلقة كاملة من الموسم الأوّل، نرى جورجينا تختار فستاناً لمهرجان كان، نشاهدها تتسوّق، تشتري الهدايا لأصدقائها، تختار فيلا لتقضي فيها مع رونالدو واولاده عطلة هادئة، تقول إنّ الأمر الإيجابي في كل هذا إنّها لم تعد تحمل هم تكاليف السفر والعطلة.

على الجانب الآخر يبدو رونالدو أكثر زهداً، يقول إنّه رغم امتلاكه للمال، إلا أنّه في إجازاته يفضّل البقاء في المنزل والاسترخاء، أو مرافقة العائلة في رحلة بعيداً عن الأعين، لذا تختار جورجينا فيلا منعزلة بمساحات خضراء يلعب بها الأطفال وبركة سباحة للعائلة.

رحلة أمومة لأطفال من أمٍ بديلة

ثم تأخذنا في رحلتها مع الأمومة، دون أن تخبرنا كيف بدأت هذه الرحلة، إذ عندما تعرّف إليها رونالدو، كان أباً لرونالدو جونيور من أمٍ بديلة لم يكشف هويتها إلى الإعلام، وبعد ارتباطه بجورجينا وحملها منه، أحضر لها بنتاً وصبياً توأمين من أمٍ بديلة أيضاً، بعدها بأشهرٍ قليلة أنجبت ابنتها، وباتت تربّي الأولاد الأربعة معاً.

تتصرّف في المسلسل وكأنّ الأربعة أولادها، لا بل تطلق عليهم اسم اولادي، لدرجة أنّ المشاهد الذي لا يعرف قصّة رونالدو مع الأمهات البديلات سيظنّ أن جورجينا أنجبت له كل هذه العائلة التي تأخذ الكثير من وقتها.

يسافر نجم كرة القدم في رحلات عمل، ويتركها مع الأولاد، ويترك لها يختاً تدعو إليه أصدقاءها، جلّهم فقراء كانوا يحلمون برؤية مركب فباتوا يركبون يختاً ويعيشون فيه حياة ألف ليلة وليلة.


هدايا فاخرة

وهي تعدّ لهم المفاجآت، نشاهدها وهي تحتفل بعيد ميلاد صديقها وتهديه افخر الهدايا، وهي تعدّ حفل الكشف عن جنس مولود شقيقتها، كما يظهر أصدقاؤها في المسلسل وهم يدلون بشهادتهم حولها على طريقة "مين يشهد للعروسة" يجمعون على أنها امرأة متناقضة، تكنس وتمسح وتجلي وتربّي الأطفال، ثم ترتدي فستاناً أنيقاً وتسير على السجادة الحمراء.

تخبرنا جورجينا عن رحيل والدها، تبدو متأثرة، ربما هي اللحظة العاطفية الوحيدة في المسلسل رغم أنّه يقيم في الأرجنتين وهي كانت تقيم في إسبانيا، لا تخبرنا عن ظروف انفصالهما، فكل القصص التي روتها في المسلسل كانت مبتورة، ولم يكن ثمّة قصصاً بالمعنى السردي، بل مجرد "خبرية" من هنا و "خبرية" من هناك، وفستان من هنا وفستان من هناك.


أطفال رونالدو

خصّص المسلسل مساحة كبيرة للأطفال، كيف يعيشون حياةً مرفهة، يدرسون مع مدرّسة خاصة، ويسبحون في بركة المنزل، ويقضون رحلاتهم على اليخت، وتستأجر لهم الفلل الفارهة كي يلعبوا في حدائقها، وتأخذهم ليصنعوا قوالب حلوى مع طباخة متخصصة، مشاهد بدت مستفزّة جداً في وقت يسجّل فيه العالم أعلى معدّلات للجوع، مع أزمة عالمية خانقة لم توفّر أحداً، وتبدّل مناخي جعل الأطفال في أماكن مختلفة من العالم يموتون من الحر صيفاً ومن الصقيع شتاءً.

ورونالدو نجم اللعبة الرياضية التي يعشقها البسطاء في المقام الأوّل، كان يقدّم نفسه على أنّه المكافح الذي صنع نفسه بنفسه، بعد أن عانى الأمرين، يدرك مرارة المعاناة ويدرك أنّ مشاهدة محبّيه لأطفاله وهم يستعرضون رفاهية لا مكان لها في مسلسل يتحدّث عن جورجينا فحسب مستفزّة.

التلصّص على رونالدو

أما محبّو رونالدو الذين يحلو لهم أن يتلصّصوا على يومياته، فهذا المسلسل سيخيّب آمالهم، إذ أنّه يظهر في مشاهد قليلة، يتحدّث عن قصّة حبّه لجورجينا، وعن أنّها أماً رائعة لأولاده، ثم ينحرف الحديث من جورجينا التي يدور حولها المسلسل كما يفترض أن يكون، إلى الحديث عن نفسه وطقوسه وابنه جونيور الذي يأمل أن يصبح رياضياً مثله، وربما هذه الانحرافة عن مضمون المسلسل الأصلي هي ما أعطته قيمةً وجعلته مشاهدته قابلة للاحتمال.

بالعودة إلى جورجينا، يسلّط المسلسل على ع الضوء على نيلها جائزة عن أعمالها الخيرية، يعرض صوراً سريعة لأعمالٍ خيرية تقول إنّها جلتقوم بها في دور الأيتام ودور العجزة، ويفرد مساحات أكبر لإطلالتها في الحفل.

ينتهي المسلسل كما بدأ، لا معلومة إضافية عن تلك التي كانت تقدّمها صور جورجينا على انستغرام، فتاة جميلة، عفوية، أعجب بها رونالدو فقّرر الارتباط بها وتأسيس عائلة معها، بعد ثلاثة أطفال من أمهات بديلات، جعلها بدورها أماً بديلة لهم، يذهب في رحلات عملٍ وهو مطمئن أنّ ثمّة من يرعى أطفاله.

وهي تقوم بدورها على أكمل ما يرام، وتعيش في قصر الأمير كسندريلا وجدت الخلاص، تقول "حلمت بالمال والعائلة وبات لديّ كل ما حلمت به".

بين الموسم الأوّل والموسم الثاني
في الموسم الثاني، لا جديد في يوميات جورجينا، سوى وفاة ابنها الرضيع.
تتحدث عن مرارة الفقدان، عن أن تعدّ سريرين لطفلين، ثم تعود بطفلٍ واحد إلى البيت، ويبقى السرير الآخر فارغاً.
لا تأتي جورجينا على ذكر سبب وفاة طفلها، لكنها تروي معاناتها مع الفقدان، ومحاولتها الخروج من العزلة، والهروب من نظرة الشّفقة في عيون الآخرين.
يدور الموسم الثاني في إطار الموسم الأوّل نفسه. لكن تشعر فيه أنّ جورجينا باتت كياناً مستقلاً، ليست مجرّد ظلاً لرونالدو، امرأة تستفيد من الشهرة الواسعة التي حققتها في مجال الإعلانات، حيث تحصد الكثير من المال.

لا تزال في داخلها الفتاة التي لم تشفَ من سنوات الفقر، تلتقي بأحد سكّان حيها القديم، تخبره أنّها كانت تسكن في حي بالقرب من حاوية القمامة. لا تخجل بماضيها.
فتاة شعبية لم تتحوّل إلى سيّدة مجتمع راقية، تتفوّه بعبارات سوقية وتبرّر الأمر بأنّه عفوية.
تحب ارتداء المجوهرات بشكلٍ مبالغ فيه، تقول إنّ رونالدو ينتقدها لكنها لا تأبه. فتاة كانت تتقاضى ملاليم ثم باتت تمتلك أغلى المجوهرات. تريد أن تعوّض عن سنوات الفقر ولو بدت محدّثة نعمة.
كريمة حدّ الإسراف، تعير أصدقاءها طائرتها الخاصة، لا تريد لهم الانتظار في صالات المطارات.
أم حنون، لو قدّر لها التخلّي عن الأضواء للجلوس قرب أطفالها لما ترددت، ترفض الكثير من العروض كي لا تبتعد عنهم، تسافر أحياناً وتعود في اليوم نفسه لتتمكّن من احتضانهم والنوم إلى جانبهم.


الموسم الثالث في السعودية

خلال زيارتها الأخيرة إلى مدينة العلا، تردّد أنّ جورجينا ستصوّر جزءاً من الموسم الثالث فيها، تتحدّث فيه عن إقامتها في المملكة العربية السعودية، وهو الجزء الذي ينتظره محبوها في العالم العربي.
لا شيء مؤكد حتى الساعة، ولا أنباء رسمية، مجرد كلام من هنا وهناك.
لكن لو قدّر لجورجينا الحديث عن حياتها في المملكة، لحصدت نسب مشاهدة غير مسبوقة.

وثائقي تائه
بالعودة إلى الوثائقي، ورغم الإنتاج الضخم، لم يتمكّن صنّاعه من تقديم مسلسلٍ يضاهي صورة من صور جورجينا التي تحصد عشرات آلاف الإعجاب على إنستغرام، لأسباب عدّة، تبدأ من أنه مسلسل ضائع بين الوثائقي وتلفزيون الواقع، وبأنّه غير مترابط، وطويل جداً يخلو من الأحداث التي تستحق أن تروى، ولأنّه مجرّد استعراضٍ لحجم الثراء الذي تنعم به الشابة الجميلة، وحجم الرفاهية التي يعيشها أولادها، وحجم الحب التي يحيطها به رونالدو، كل شيء مثالي في عالم غير مثالي. النتيجة حتماً مسلسل فارغ إلا من الكثير من الثرثرة والفساتين.

يقرأون الآن