"ولاد بديعة" كتبت له كل عناصر النجاح. شخصيات مهمة وممثلون محترفون لكن في جو من القتامة. هذا النص القاتم الذي لا يحمل في طياته سوى القتال والقتل والمكائد والحروب داخل العائلات وأبناء الحي الواحد.
لا يوجد في هذا العمل حتى الآن نقطة ضوء واحدة أو شخصية واحدة يعوّل عليها نقاء الأداء والنفسية الحلوة. الكل متآمر الكل حاقد ولا يوجد خط رجوع نحو التوبة الكل منغمس بالسواد.
كيف يبنى عمل فني على كل هذا الحقد والموت والصراعات دون عزاء ودون خيط رفيع واهن من النقاء؟
يبدو كأننا في رحلة موت وعذاب ولا حق يظهر داخل كل هذا السواد.
بديعة المهزومة من الجميع والتي يبدو اسمها لعنة ولا تعاطف معها. ابناؤها خارقون في القتال ورد الصاع صاعين. ابنتها "سكر" اللقيطة بطلة العمل (سلافة معمار) التي تؤدي دورها بكل أريحية مظلومة من أب لا تعرفه وزوج يسرقها ويستغلها وأخوة يعايرونها عند كل مفرق.
الأخوة الأعداء من أجل المال والقتال المستمر عقود ولا فسحة بياض في روحهم. كلها شخصيات مريضة مقيتة ليس بعلاقتها مع بعضها بل بعلاقتها مع الجميع. كأنهم مرضى كراهية وموت.
الشفقة الرحمة الأمل كلها صفات خارج إطار تصوير هذه الشخصيات الحاقدة غير المحبة. حتى الأب الذي يظهر لوهلة أنه سدان الأمان لم يكن، بل مات قبل أن يصحح خطأه.
من المؤسف بناء عمل على هذا المقت المستشري، حتى الحب عندما يأتي إلى حي الدباغين يموت قهراً أو خنقاً عند بابها.
من الصعب أن نحمل عملاً كل هذا الإجرام وهذه الضغينة، حتى المجرمين عندهم صفاء نية احياناً وطيبة، لكن في " ولاد بديعة" الظلمة قاتمة والإبداع يقع في السّواد وسيادة الإحباط.
ولن أذكر مشهد القطط المعلقة ومشهد الأبطال المشنوقين وكأن هذه اللقطة سيمفونية المجد. علماً أنّه كان يجب أن تمر بشكل خاطف. بينما شاء الإخراج أن يبثها عدة مرات وباستمرار وكأنها الحلقة التي تربط كل حلقات عمل.
الممثلون يؤدون أدوارهم بأفضل ما يمكن. لكن الورق المكتوب بقلم علي وجيه ويامن حجلي والإخراج لرشا شربتجي المبني على العنف من ألفه إلى يائه مضجر ومنفر، فهذا ما أضاع جمالية عمل يمكن أن يكون بقعة نور وليس مسلسل تعذيب بغنى عنه وحولنا ما يكفي منه.
كنا ننتظر أكثر من المسلخ والدباغة ورائحة النّتانة والكباريه، شيء من تعمير الإنسانية لأنه حتى في أماكن الرخص نجد نفوساً ثمينة ويمكن البناء عليها.