TRENDING

"مال القبان" دراما اجتماعية سورية بامتياز، من بطولة بسام كوسا وسولاف فواخرجي.

هذا القبان الذي مال واختل في مجتمع عاش الحرب وباتت وزنته مزورة بالغش والسطوة والعنف.

هذا القبان هو الرمز الذي يحكي عن الاختلال المتواجد في أحد أقدم أسواق سوريا للخضار "سوق جبر" أو سوق الهال، هو نفسه قد تجده في كل بلد يعاني الأزمات الاقتصادية والشح والقلة.

هو شبيه بسوق باب التبانة في طرابلس أو سوق الحسبة في صيدا. أنه السوق الذي يُطعم بلد أكمله. وفيه تجد المحتكر والمتسلط والعتال والفقير والمزارع الذي يبيع محصوله ليربح قروش والتجار يربحون مبالغ لا تعد ولا تحصى ويتحكمون بسوق الأكل والطعام.

في بداية العمل يطالعنا صوت الفنان بسام كوسا وهو يسرد حكايته من بطن أمه التي هربت في شاحنة خضار بعيداً عن زوجها الذي يضربها ويكمد جسدها كل يوم كأنها سجادة لا تلمّع سوى بالضرب.

في هذا السوق في الستينيات ولدت أبنها نعمان بين خيم الخضار، وباجتهادها وعملها استطاعت أن تصبح أحد الملاكين في السوق وانتقلت هذه الملكية إلى ابنها الذي طالما شك بشرف أمه. فما أن اشتد ساعده حتى نفى والدته ومنعها من التعاطي مع أبنائه وبات يعاملها كالرذيلة.

نعمان "بسام كوسا" هو زنديق العمل. يتلطى بالأخلاق والبذلة الملمعة وتنظيف بيت الله حيث يعقد كل مؤامراته وهو مستعد أن يستبيح كل شيء لينجّح أعماله. ويزيد ثروته. يتاجر بالسلاح يتزوج مصلحة يتحد مع القرود السود يقلب الناس زوراً يختلق المشاكل، يستفيد من كل أزمة يضمر السوء ليسرج خرجه ويلملم من جراح الناس ماله.

"سوق جبر" الذي قيل عنه أب الفقير. فهو الذي يطعم كل محتاج صار مع نعمان سوق الاحتكار والمكائد. ابنه خير "يامن حجلي" هو الامتداد له ويده الطّولى لتنفيذ كل قذارته، أورثه صفاته في البلطجة والتشبيح.

في هذا السوق هناك هامش البشر المعوزين والفقراء الذين يعيشون على التالف من الطعام. يلملمون حشائش الاهتراء يبيعونها أو يقتاتون بها. هذه الزمرة من الناس لهم قصصهم صورها المخرج سيف السبيعي بعدسة كبيرة بكل وساختها وأوجاعها وتشردها. وأفرد لها شخصيات كان لها مكانة واسعة في العمل. ينتقلون من ضفة إلى أخرى حيث يجدون من يشبع جوعهم.

"مال القبان" ليس حكاية واحدة بل هو حكايات متعددة متشابكة ومتداخلة بتناغم شديد لا يزيح عن الخط الدرامي الشيق. وبين الأمس واليوم تحاك القصة. وتتبدل الشخصيات. وكلها ذات جاذبية واحدة لا تشرد عن مغنطيسها الأصلي في تصوير سوق يختصر وطن، ووطن فيه المنتفع والمرتشي والمهرب والقاتل والقليل الرحمة والسارق والمسروق وأناس ينامون على حصير الأرض جوعاً ويموتون على لحم الأرض مرضاً.

سلاف فواخرجي "رغد" تقدم دوراً مغايراً عن الصراعات المحتدمة في "سوق جبر"، التي تذكيها مكائد "نعمان الزير"، فتحت "رغد" باباً لحكاية موازية، خطفت فيها سلاف قلوب المشاهدين وهي تسير في شوارع دمشق تائهة بعد أن صدت بوجهها الأبواب التي تعرفها.

ورغد ليست امرأة عادية فهي زوجة قاضي وطبيبة خرجت من السجن بعفو عام. حكايتها مؤلمة وهي تنظر إلى ابنتها من بعيد وتجدها بين أيدي امرأة أخرى فتغرق في بكاء هستيري. سلاف هي قلب العمل وضميره وأمه الحقيقية سننتظر ونرى كيف سترد لها الملامح وكيف ستعود أمانة دمعها وكيف ستنصف وسط الحيف والكدر هي ورواد "سوق جبر".

هذا العمل هو هدية لروح الفنان محمد قنوع الذي يطل فيه لأخر مرة بشخصية مياس الذي يبادرنا برقصة أمام كشكه في الشارع العام. فتتبادر إلينا صور الفراق الأليم لفنان كان فواحاً بالحركة والنضارة والضحكة وصار في عالم الغيب حيث لا تنهد ولا وجع.

"مال القبان" سردية واقعية لأبطال يتماثلون مع الناس. شخصيات تحكي عن الروابط العائلية المهزوزة، المنخورة بالمصلحة وفقدان الحب وتدويره من أجل العملة والمال.

ختام اللحام بدور عايدة، تؤدي باللهجة الشامية دوراً يصب في قلب اللّجة، بمشاهد تخطف الأنفاس لاسيما عندما وقفت تحت المطر رافعة يديها بحشرجة المظلوم تدّعي على ابنها في مشهد ملحمي بالخذلان والنقمة.

المسلسل من بطولة بسام كوسا، سلاف فواخرجي، خالد القيش، يامن الحجلي، حلا رجب، نجاح سفكوني، وممثلين كثر آخرين، منهم الممثل الراحل محمد قنوع الذي قدم آخر أدواره التمثيلية في هذا العمل قبل وفاته في 2023، ومن تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج سيف سبيعي.

يقرأون الآن