أنجو ريحان في مسرح المدينة تُرّقص الوجع ثم تُضّحكه ثم تُبكيه. نص الكاتب يحيا جابر "شو بنلبس" يعيدنا إلى ثمانينات القرن الماضي يوم كان معتقل أنصار وكانت المقاومة لها طابع أخر.
أنجو تستل كل شخصيات المسرحية وتفردها أمامنا لنتعرف على البيت الجنوبي والقرية الجنوبية ومن خلالهم نعرف الوطن كله يوم كان رجال المقاومة من الأحزاب الديمقراطية والعدو الإسرائيلي بالمرصاد. هذا الإسرائيلي حضر معها كبطريق الأداء والشوفة بمشيته المختلة.
تدخل أنجو المسرح راقصة وفي برهة تبكي وتبدأ بشرح قصتها التي تتماثل مع العديد من قصص أهل الجنوب وأهل الوطن. وتتناوب على إبكائنا وإضحاكنا طوال ساعة ونصف وهي تلبس شخوصها وتخلعها بلحظة. كأنها معجونة من سحر الأداء كأنها شخص من ماء تلبس كل روح تريدها.
أنجو ريحان بنص يحيا جابر تلمع كفنانة قادرة على تصوير حلقات ومشاهد حياة، تقصها لوحدها جميعاً وتسافر بنا نحو أربعين سنة رجوع في رحلة حياتها التي تتقاطع مع حياتنا جميعاً.
جابر الذي يدخل في تسجيل تفاصيل التفاصيل وأنجو تجسدها. فنصبح نحن جزء من كل هذا نشم رائحة الملوخية ونسمع دق الكبة وأزيز الرصاص وندخل سجن أنصار ونرى المعتقلين ونشهد على خوف العدو وتنكيلهم ونبكي لأطفال رحلوا ومقاومين قضوا ومن منهم ما زال موجوداً سيرى نفسه يتماثل مع أنجو وهي تحيك قصته على جسدها الطري النحيل تشق المسرح بيتاً ثم سجناً ثم انفجاراً وليس في يدها سوى روب حمام وجاكيت ومنشر حديدي تصنع منه كل أماكنها وكل صورها.
هذا النص المعجون من حنين ووجع ونقد وسخرية يحكي عن الأحزاب اليسارية في مقاومة الاحتلال. وأنجو في شو بنلبس" خبيرة في فن اللباس وملهمة تعرف كيف تنزع رداء وتلبس أخر وكيف تظهر عري البشاعة وفضاحة التخلف وتتسربل بقول الحقيقة فتقول ما لا يقال لكن بهندام من فصاحة أبكانا كثيراً وأضحكنا أكثر.فرأينا تاريخنا يمر أمامنا بكل ما فيه من مأساة.