يصادف اليوم 20 آب\أغسطس، ذكرى وفاة الفنان المصري عماد عبد الحليم.
هو ابن بحر اسكندرية التي لم تورثه شطآنها سوى الشجن. نشأ فقيراً يأكل على طبلية التقتير، فحمل صوته معولاً يحرث به أثلام الفرح في أعراس العامة. لم يكن يمتلك سوى هذا الصوت الذي سيرفعه من حضيض الواقع نحو العالم الأرحب. ليصبح مطرباً، رافق اسمه ليالي العاشقين وبقي لحنه في النفوس بعد رحيله.
عبد الحليم حافظ تبناه
عماد وعبد الحليم
عماد الدين علي سليمان المعروف بعماد عبد الحليم تيمناً بعبد الحليم حافظ، سمعه هذا الأخير في أحد الأعراس يغني وهو طفلاً لم يتجاوز 12 سنة، فأعجب به وتبناه وأخذه على عاتقه، ورعاه حتى غير اسمه حباً بوالده الروحي.
كثرٌ قالوا إنه نسخة من عبد الحليم حافظ، لكن من يرافق سيرة هذا الشاب الفنان الذي رحل باكراً، يدرك أن جرعته كانت مختلفة، فهو سليل المعذبين والوحيدين والغرباء الذين تعرفهم من ملامحهم ونشيجهم. هو بصوته يرسم تلك اللوحة الحزينة التي تأتي من الأعماق، إحساسه قلّ نظيره عند أي فنان أخر.
صوته أنين وحنين ورحلة في مركب العاشقين، يصب بك في نهر الجرح. صوت لكثرة رقته يبريك بمبراة الحزن. صوت يصف هذا الكون بأوهامه يفتح الخلايا النائمة، يحثك نحو الفهم بأنه لا يوجد كتاب ولا فلسفة قادرة أن تعطيك الفهم كما يفعل الفن.
فيلم الأخوة الغرباء لعماد عبد الحليم
أرشيف خالد
من يسمع أغنية "مانيش خاين" وأغنية "أمي " و"طريق الاحباب" يدرك أن هذا الصوت لا يمكن أن يأتي من القصور العالية ولا من الرفاه، بل يأتي من الحزن العميق والوحدة والخذلان والفقر، وهو كان كل هذا "رجعت بلدنا بعد سنين من الغربة وكان لي فيها بيت ونخيل وأحبة
رجعت أعيش فيها تاني ليالي زمان وأنس زمان وحب زمان...."
تعاون عماد عبد الحليم مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي والملحن العبقري جمال سلامة، ولد أرشيفاً فنياً سيبقى صداه يعيش إلى الأبد.
فأجمل الأغاني التي عرفت واشتهر بها الفنان هي نتيجة هذا التعاون الثلاثي الذي خلق صورة ورفع مشعلاً في عالم الأغنية، وهذا التعاون كان له الأثر الإيجابي في جعل أغنية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي مختلفة عن كل ما حولها في ذاك الحين، عندما بدأت الأغنية تهوى من تحت إبط العمالقة نحو زمن السرعة والخفة.
عماد عبد الحليم على المسرح
عائلة فنية
هو من عائلة فنية فأخوه الموسيقار محمد علي سليمان والد الفنانة أنغام. لم يكن فقط مغنياً بل كان ممثلاً ومسرحياً قدم العديد من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات قام ببطولة مسلسل "الضباب" تمثيل صلاح منصور وإبراهيم عبد الرازق و كريمة مختار وهناء ثروت وخالد زكي وليلى حمادة وأيضاً مسلسل "العندليب الأسمر" تمثيل أحمد ماهر وحسين الشربيني وفردوس عبد الحميد وكلا المسلسلين مشتقين عن حياة عبد الحليم حافظ.
رحيل عبد الحليم حافظ في عام 1977 ترك مأساته على كروان الفن وهذا كان لقب عماد عبد الحليم، فصار أكثر نحولاً وأكثر عزلة وأكثر حزناً. فهو يعترف في إحدى لقاءاته بأنه كان وحيداً ولا يجد من يشكي له أو ينصحه أو يأخذ بمشورته. عاش فراغاً لم يرممه الفن بل صار فنه مرآة روحه المهشمة ، "ليه فيكِ الحب يا دنيا عذاب.. ليه أبني أمل وألاقيه كداب.. ليه كلمة ليه مش لاقية جواب.. ما تردي يا دنيا بأي نِدا».
من أفلام عماد عبد الحليم
حاصرته الشائعات
عاش عماد عبدالحليم محاصرا بالشائعات، بداية من شائعة أنه الابن غير الشرعي للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، خصوصا أنه يشبهه كثيرا، وقد نفى العندليب تلك الشائعة في أحد الحوارات الصحافية قائلا "يا ريت عندي ابن زي عماد".
كما ربطته الشائعات بالراقصة والفنانة نجوى فؤاد، حيث تردد أنها تزوجته وهو ما نفته تماما، بل أقسمت بأن ذلك لم يحدث، وربما راجت هذه الشائعة بسبب ملازمتها له في معظم حفلاته واشتراطها أن تكون موجودة كراقصة فيها، كما نفى عماد ذلك أيضا حين وصلته هذه الشائعة وكذلك نفى شقيقه “محمد على سليمان” هذه الشائعة، وقال في تصريحات صحفية كان شقيقي على وشك الزواج من فتاة من خارج الوسط الفني وهى شقيقة أحد أصدقائه من العازفين.
أغنيته عن الأم تعتبر من الأغاني الخالدة
توفي على قارعة الطريق
لم يكن عمره طويلاً ولد عماد عبد الحليم في (4 شباط\فبراير 1960 – وتوفي 20 آب\أغسطس عام 1995 ) لم يتجاوز عمره 35 سنة.
توفي على قارعة الطريق أذ عثر المارة في شارع البحر الأعظم في الجيزة، على جثته ملقاة على الرصيف المقابل لمنزله وبجواره حقنة مريبة. بينت التحقيقات بعدها تلوثها بالهيروين. غنى نهايته ورثى نفسه مسبقاً " ليه حظي معاكي يا دنيا كده" التي يقول فيها :"أنا مين .أنا يائس وقلبي حزين."
رحل الكروان الحزين وبقي فنه شاهداً على حزنه ونغماته مازالت صدى للضيم واللوعة والكمد.