TRENDING
الدراما التركية المعرّبة حصرمٌ في أعين الفاشلين

الخائفون من الدراما التركية المعرّبة يقولون إن سماءنا قد اخترقت، وعقول شعبنا دُبلجت، وأهواؤنا بدأت تتغير، والمعايير الثقافية تبدلت، والهوية تصدعت.

كل هذا الخوف لا وجود له. وهذه العناوين الكبيرة فضفاضة لا مبرر لها.

الخوف يجب أن يكون في مكان آخر، هو قدرة الدراما المحلية العربية على المنافسة، وفرض نفسها في هذا الفضاء الرحب الذي تحتله المنصات العالمية والكبيرة والتي باتت بمتناول الجميع.

أما شعبية هذا الأعمال التركية المعربة فتعود لعدة أسباب نستعرضها في هذا التقرير.


باسل خياط ورزان مغربي من مسلسل "الثمن"

الاتقان في العمل

شركات الإنتاج لا تفكر سوى بالربح. والربح لا يعوّل على سلعة فاشلة بل على تلك الناجحة القادرة على جذب المشاهد إليها، فتغريه وتجذبه فيتعلّق بها وتصبح حلمه المفرح.

والأعمال الدرامية التركية المعربة لو لم يكن فيها مقومات النجاح، ما كانت شدّت المشاهد العربي. فهي مشغولة بحرفية وتقنية عالية، وبسخاء مبهر، وهنا بيت القصيد الذي يقصده المشاهد ويجد فيه ضالته.

هذه الدراما التي تعطي المشاهد كل ما يحتاجه من جذب. فالأبطال إن لبسوا وتأنقوا صاروا شغفاً وإبهاراً، وإن تعثروا كانوا سمة في التعثر. وإن انفعلوا أعطوا الجرعة اللازمة من الأداء. ما يفسّر لما تعلّق المشاهدون بديما قندلفت في "ستيليتو"، وبكل أبطال ذاك العمل التي تبدو قصته فيها شيء من اللاوقع.

عملية الإبهار كانت عالية، والمعالجة كانت أخّاذة. الأبطال كانوا حقيقيين. الدخول في مثل هذه التفاصيل التي لا توليها الأعمال العربية اهتماماً أو ربما ليس بمقدورها أن تهتم.


من مسلسل "ستيليتو"

النص هو الأساس

لو لم يكن هناك أزمة نصوص في عالمنا العربي ما كانت شركات الإنتاج تطرق أبواب تركيا لتعرَب. من الأسهل لها والأوفر أن تحصد من سهولها بدلاً من أن ترحل صوب إسطنبول.

ما تحتاجه سوف تشتريه سواءً كان معروضاً على قارعة الطريق أو ركب بالطائرة حتى وصل إليك. فالنص الجيد يفرض نفسه سواء كان بالعربية أو بالتركية أو الإسبانية أو بأي هوية أخرى. الأدب الجيد يصل أسماع العالم والأدب المذري لا يسمع به حتى أهل بيته.

أعطوا المشاهد نصاً جيداً وإخراجاً جيداً وتمثيلاً جيداً وخذوا منه الوفاء. الدليل على ذلك اجتياح منى زكي في رمضان بمسلسلها "تحت الوصاية" ذائقة الجميع كبيراً وصغيراً مثقفاً وأمياً. حيث يكون الإتقان تكون الشعبية.

وحيث يكون الترهل ترتفع علامات الاستفهام. هذا الاستفهام الذي رفع حول مسلسل "النار بالنار" الذي مشى بداية كالنار في الهشيم ثم لاحظ المشاهد أنه يخبو. والسبب تبين أن هناك تضارب في كتابة النص.

هذا لا يعني أن هذه الأعمال المعرّبة لا يوجد فيها إخفاق وضعف وتطويل وتدوير، لكن ضعف النص أحياناً يرمم من خلال نقاط سطوع أخرى قادرة أن تبقي العمل على سكة النجاح.


من مسلسل "عروس بيروت"

وجوه خارج الاستهلاك

هناك وجوه في الدراما المعرّبة خارج الاستهلاك. وجوهٌ لم نعرفها بهذه الحلة، مكللة بالإبداع، لم يخترقها مشرط أو تلعب بها أيادي التصنع. وجوه طبيعية مقطوفة من حقول الجمال البرية.

من كارمن بصيبص في "عروس بيروت"، إلى رزان جمال في "الثمن" وريتا حرب في "ستيليتو "وباميلا الكيك ولين غرة في "كريستال" وغيرهم كثر. حتى الممثلين الرجال مثل نيكولا معوض أو محمود نصر أو خالد شباط هؤلاء خارج التصنيف المستهلك. طاقات موهوبة وبعضها مغمور لا يشوبها سوى أنها لم تعط فرصة. وحين فتحت لهم الساحات أبدعوا وكانوا غلة ثمينة وأسماء تحلق في فضاءات الفن.

شركات الإنتاج المحلية تعوّل دوماً على أسماء معينة لتكون لها السيادة. أسماء تتربع عالياً وأخرى قد تكون أهم منها، تقصى أو يعطونها فتات المكانة والدور. هذه القولبة في التعاطي تجعل المشاهد مغلوباً على أمره. فما أن تعطيه جرعة من خارج الصندوق حتى يندهش، طالما الكفاءة هي نفسها وربما أفضل. وإلا كيف تقصى باميلا الكيك عن الكثير من الإنتاجات وهي لوحدها قادرة أن تكون الحصان الرابح في الميدان؟


من مسلسل "كريستال"

الخوف على الهوية

المتحجرون في الفن يخافون على الهوية. الهوية الفنية لا تتشكل إلا بما هو جميل، وبما يحاكي الضمير والأعماق. هذا إن لم نقل إن الفن لا هوية له سوى نفسه. فجبران خليل جبران وجد مكانته خارج وطنه وصار هوية لكل محبيه. نيتشة ليس حكراً على الألمان. محمد الماغوط ليس ابن سوريا وحسب بل هو ابن الإنسانية الرافضة للظلم وقلة العدل، هو ابن الأوطان الموجوعة كلها. الفلاسفة، الفنانون الكبار لا نعرف هويتهم في أوقات كثيرة لكن نعرفهم ونتماثل معهم لأنهم يشبهوننا.

نعم الفن ابن بيئته. والبيئة العالمية اليوم تصغر بوجود هذا التمدد في المنصات وطغيان الميديا. لذا على صناع الدراما أن يكونوا على قدر المسؤولية في الصناعة فيؤرخون لبيئتهم ويكونوا يد الانتشال من هذا الدمار الذي تعيشه الأمة. يعطون المشاهد جرعة من الخلق قادرة أن تؤسس لنهضة تواكب العالم من حولنا.

الهوية لا يطمسها عمل درامي معرّب مشغول بشكل متقن إن كان يحاكي ما نحتاجه. الهوية تطمس بالرداءة بالإسفاف. وهذا الأخير بات منتشراً من حولنا عبر هواتف ملغومة برسائل الهبوط.

كارمن بصيبص وظافر عابدين من مسلسل "عروس بيروت"

التزاوج البريء

المشاهد العربي أكثر ما يرى ضالته في الدراما التركية. وذلك لأن مشربنا يشبه مشربهم. وطعامنا يشبه طعامهم. وقيَمنا تشبه قيَمهم. نحن مرآة لهم أو العكس لأننا مشبعين بما لديهم من الأساس. فهم حكمونا ما يقارب الخمسة القرون. وهذا لوحده كاف أن يجعلنا على خط التقارب. فألفاظنا العامية تركية وعقليتنا التقليدية تركية. شئنا أم أبينا.

ناهيك عن كل ذلك، الأتراك في الدراما دوماً لديهم صورة كبيرة من النبل يمنع المس بها. قد تكون صورة الأب أو صورة المعوّق، أو صورة الأم ، أو أي صورة أخرى يفترض أن تكون متواجدة داخل سياق أي عمل درامي قد يعالج أشياء محبطة أو غير سوية، ومن يشاهد بتمعن يعرف هذه الخاصية. دوماً هناك إيجابية ما داخل أي مستنقع يعالج.

وهذا قد لا نجده في أحيان كثيرة في الدراما العربية فيأخذك النص والسيناريو نحو فصول واحدة دون تلوين في الشخصيات، دون فتح كوة ضوء في العتمة. كتَاب يعالجون الأمور بشدّادة واحدة.

في الخاتمة لا خوف علينا سوى من أنفسنا ومن قلة الإبداع ومن التمسك بأفكار لا تعود على المشاهد سوى بالرداءة. فمن يريد المنازلة في ساحة المعركة عليه أن يجهز عتاده جيداً.



يقرأون الآن