"سفاح الجيزة" عمل درامي يتناول الجريمة يرتكز على قصة حقيقية وقعت في مصر، بطلها قذافي فراج عبد العاطي عبد الغني، أو المعروف إعلامياً باسم «سفاح الجيزة»، ارتكب 4 جرائم قتل خلال عامي 2015 و2017، وتم كشف أمره بالصدفة بعد 5 سنوات.
بعيداً عن الأحداث الحقيقية للقصة. العمل درامياً فيه كل مقومات النجاح. البطل أحمد فهمي الذي يقوم بدور السفاح يمتلك شخصية مهيمنة وطَيبة في آن معاً، وقدرة خفية على ممارسة الشر والقتل.
المخرج أبدع في تصوير حالات التناقض المستترة في شخصية البطل من خلال الغوص في بواطنه وتصوير أدائه المفزع وتسجيل جرائمه وعرض سلوكه الطيب وإيمانه المفرط.
المجرم المغرَر
أحمد فهمي الذي يلعب دور يوسف ورضا معاً. شخصية باردة يحمل وجه "بوكر" فهو قادر أن يمسح كل تعابير وجهه ويضبط ملامحه ويلبس أقنعة مغرَرة وقدرة على الاقناع بطيبته وخُلقه.
البطل هو كل شيء تقريباً في هذا العمل وحوله تدور الحكاية حسب ما يظهر في الحلقات الأولى لمسلسل من 8 حلقات ستعرض تباعاً. أما ضحاياها فلا نعرف عنهم الكثير ويقابله في المرصاد باسم سمرة الذي يلعب دور المحقّق. والممثلون الأخرون مجرّد تتمة وتوطئة لنفهم باقي الحكاية وكلهم فريق متآزر يقدّمون النص بأفضل أداء ومتعة.
من اللحظة الأولى التي دارت بها الكاميرا دار معها التشويق والشعور بالشَتات والخوف لدى المتفرج. نحن في بقعة معتمة مع رجل يسكن في بيت عتيق مطبخه بسيط بإضاءة خافتة، وحركة الممثل المركزة والثقيلة وهو يقطع البطاطا واللحمة بشكل منسّق ومرتّب ولكن بحدّة باردة وترتيب مفرط تشي بكل شيء إلا بأسلوب الطبخ. وبقربه ثلاجة يفتحها بين كل حزة سكّين لنجد في داخلها جثة.
الإخراج المتقن والاستعارات
لعب المخرج على إجادة المجرم لفن الطبخ المتقن وحبه لتناول وجبات مهمة دون أن يُفرجي عامل الشهية بل على العكس طعام متقن لا يثير الشهية بل الامتعاض. هذا الرابط بين كيفية طبخ المجرم لكل جرائمه وبين إتقانه الطبخ وشهيّته المفتوحة دوماً.
العمل مثير ويتمتع بكافة عوامل الجذب والتشويق. لا يتم سرد الحكاية بشكل متسلسل بل بفتح عدة صور وعِقد معاً ومن ثم يتم إيضاحها والتعرف بها. هذا الأمر قد يبدو متعباً للمشاهد ويتطلب تركيزاً مضاعفاً، لكنه يشد العُقد ويخلق نوعاً من الحيرة والاستفزاز لمتابعة كامل الحكاية. خاصة وأن البطل لا يبدو على وتيرة واحدة أو بشخصية علنية ومقروءة، بل شخصية محيَرة قد تبدو في أماكن أشبه بنعجة طيّبة، وفي أماكن أخرى شريرة تعرف كيف تخطّط وتنفّذ وتحمل قلباً من حجر قادرة أن تقتل دون رحمة أو حتى أن يرّف لها جفن.
ليس كل ما نشاهده يشبه القصة الحقيقية للجريمة المتسلسلة
هذا التناقض في شخصية المجرم يحمل الكثير من العبثية والجاذبية للشخصية الفنية التي ينفّذها أحمد فهمي بالكثير من الاتقان. لا يُحسد البطل على هذا الدور السوداوي الذي قد يوسمه في مسيرته الفنية كرجل شرير ونافر. خاصة وأن فهمي أعطى الدور كل أبعاده المقيتة. شخصية ملفوفة بالخير وداخلها إجرام. يظهر عكس حقيقته. ويتفنّن بإظهار الطيبة كما يتفنن في فعل الإجرام.
نجح فهمي في إيصال هذه الصورة ولعبها بحرفية من خلال تعابير مسطحة ملغومة غير مقروءة وغير انفعالية. شخصية مجرّدة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة. لكنها شخصية تتحلّى بالحنكة والجرأة وعدم الانفعال.
والمخرج هادي الباجوري أبدع في إظهار هذا البعد الذي لا نعرف عمّا إذا كان يتماهى مع الشخصية الحقيقية للمجرم أو من مخيلته.
من يعرف القصة الحقيقة للسفّاح يجد أن هذا العمل الدرامي لا يتقاطع مع تفاصيل كامل تلك القصة. بل هي تنمّ عنها ويوجد بعض صور الشبه بينهما. ولا نعرف عمّا إذا كان أحمد فهمي في دوره هذا، يشبه شخصية قذافي عبد الغني من ناحية البراءة والحنية التي يظهرها والوحش الكاسر الذي في داخله.
هذا العمل الدرامي الذي يتناول أبشع الجرائم يحمل في تفاصيله أحداث درامية وإنسانية أخرى ممّا يلطّف أجواء المتابعة ويعطيها بعض الحماس ويخفّف من قسوتها لمن لا تروقهم مثل هذه القصص العنيفة.
لا يوجد في العمل بحلقاته الأولى أي ترهّل بل هو مشحون ومكثّف جداً ومرصوص الأحداث والمفاجآت. ومن أكثر الشخصيات المستفزّة هي شخصية أم المجرم "حنان يوسف" التي أبدعت بتعنتها وشخصية حبيبته "ركين سعد" التي أبدعت بصفاقتها.
عمل مُتقن بكل حوافيه ومضمونه. وإن كان ثقيلاً بقصته. إلا أنه يرضي كل مُشاهد سواء يريد أن يعرف جذور القصة الحقيقية للواقعة أو يريد أن يتمتّع مشهدياً لمثل هذا النوع من الأعمال الفنية.