TRENDING
تسريب وثيقة...نجاة الصغيرة أوصلت بليغ حمدي إلى المحكمة؟

في عيد ميلادها السادس والثمانين (من مواليد الحادي عشر من آب 1938)، لم يبق لجمهور المطربة نجاة الصغيرة سوى هذا الرصيد الضخم من الأعمال الفنيّة بعد أن فقد عشاقها الأمل في أي عودة محتملة للغناء مرة أخرى، لا سيما بعد ظهورها الواهن قبل أشهر في الرياض ضمن فعاليات مهرجان "جوى أوورد". أما هي، وفي هذه المرحلة من حياتها فلم يبق لها إلا شريط من الذكريات بحلوها ومرّها، وقت أن كانت في قمة تألقها ونجوميتها، وباستثناء السنوات الأخيرة التي انزوت فيها في منزلها بمنطقة الزمالك (القاهرة)، عرفت حياتها صخباً وضجيجاً ومعارك وشائعات ربما تتعارض مع حريرية صوتها وخفوت نبرتها ورقة أدائها التي عرفت بها، لكن يبدو أن هذا الكيان الأنثوي قليل الحجم كان بداخله طاقة جبارة لمصارعة أمواج الحياة العاتية، قبل أن تنهكه تلك المصارعة، وتسلّمه طوعاً أو قسراً لسنوات الشيخوخة والضعف.

نجاة محمد حسني ذات الأصول السورية الكردية، التي بدأت مسيرتها طفلة صغيرة تقلّد أم كلثوم وجدت نفسها مجبرة، أو أوجدتها بمحض إرادتها طرفاً في خصومات قضائية عدة. واحدة من تلك الخصومات كان طرفها الآخر الموسيقار بليغ حمدي، الذي تعاونت معه في كثير من أغنياتها الناجحة، ربما كانت أشهرها "الطير المسافر، أنا باستناك، وفي وسط الطريق".

وهذه الوثيقة التي كشف عنها الناقد أشرف غريب للمرة الأولى بعد ثلاث وخمسين سنة، تخفي وراءها كثيراً من التفاصيل في هذا الملف الخفي.

لنقرأ أولاً سطور الوثيقة:

أصرّح أنا بليغ حمدي للسيدة نجاة الصغيرة باستغلال الأغاني الآتية في السينما والحفلات، على أن يتم بيننا مستقبلاً، فيما هو متعلق بشأن هذه الأغاني عند استغلالها على الأسطوانات، وهي:

1 – "نسي كلمات" محمد حمزة

2 – "آه يا ندم" كلمات الأستاذ عبد الرحيم منصور

3 – "قد العيون السود" كلمات محمد حمزة

4 – "كان ياما كان" كلمات الأستاذ عبد الرحيم منصور.

ويعتبر هذا موافقة كاملة على أن يتم هذا الاستغلال بعد عشرين يوماً من تاريخ هذه الموافقة، وتحت مسؤوليتي الخاصة، وأتعهد أن لا تنشر هذه الأغاني بأي صوت آخر إلا بصوت السيدة نجاة حسني. توقيع بليغ حمدي بتاريخ 21/9/1971.


وفي الملابسات والتفاصيل، أن المؤلف والمنتج السينمائي عدلي المولد، كان قد اتفق مع نجاة الصغيرة في هذا التوقيت على بطولة فيلم بعنوان "صوت الحب"، يتولى إخراجه حلمي رفلة، على أن يقوم بليغ حمدي بوضع ألحان الفيلم المذكورة في هذا التنازل، بالإضافة إلى قصيدة أخرى من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب هي "إلى حبيبي"، من أشعار نزار قباني. وقتها تحدثت الصحافة طويلاً عن الفيلم، لدرجة أن عنوانه أصبح منذ هذا التوقيت، لقباً لصيقاً بنجاة، وباتت تعرف من يومها بـ"صوت الحب". لكن المطربة الكبيرة فوجئت بأن جهة الإنتاج قد اختارت الممثل حسن يوسف بطلاً أمامها للفيلم، الأمر الذي لم تقبله نجاة، على أساس أن يوسف كان قد شاركها بطولة فيلميها السابقين مباشرة "شاطئ المرح" و"7 أيام في الجنة". وهي لا تود أن يتعامل الجمهور معها على أنها ضلع في ثنائي فنيّ مع ممثل بعينه، فضلاً عن أنها كانت تريد الممثل محمود ياسين نجم تلك الفترة، بدلا من حسن يوسف. ومع إصرار كل طرف على موقفه، تجمد مشروع الفيلم قرابة العامين. فما كان من نجاة المالكة لحق استغلال الأغنيات وفقاً لتنازل بليغ حمدي، سوى أنها قامت بغناء أغنية "يا خسارة نسي" في حفل عام بصالة سينما قصر النيل بالقاهرة العام 1972، ما أغضب عدلي المولد منتج الفيلم. فقرر سحب ترشيح نجاة وإسناد البطولة للمطربة وردة الجزائرية، التي كانت قد اقترنت ببليغ فى تلك الفترة، وظهر فيلم "صوت الحب" بالفعل العام 1973 من بطولة وردة وحسن يوسف. ويبدو أن بوهيمية بليغ أو فوضويته أنسته أنه منح نجاة حق استغلال أغنية "العيون السود". إذ فوجئ الجميع بتلك الأغنية بصوت وردة، ضمن أحداث الفيلم، لتصبح واحدة من أشهر أغنيات المطربة الجزائرية حتى الآن، وأحد أسباب نجاح الفيلم في حينه.

وهنا جن جنون نجاة التي كانت شديدة الإعجاب بالأغنية، وتعد نفسها لغنائها عقب انتهاء حرب تشرين 1973. فذهبت أولاً بوثيقة التنازل إلى جمعية المؤلفين والملحنين، التي لم تنصفها باعتبار أنها ليست عضوا فيها، وأن الجمعية تدافع فقط عن حقوق مؤلفي وملحني الأغنيات. فقررت اللجوء إلى القضاء المصري، وكسبت بالفعل الدرجة الأولى في التقاضي، وحكم على بليغ بالغرامة والحبس، لكنه استأنف الحكم. غير أن الموسيقار محمد هبد الوهاب استشعر حرج موقف بليغ، فتدخل لدى نجاة وأقنعها بالتوقف عن السير في القضية، مقابل منحها حق استغلال قصيدة "إلى حبيبي" على سبيل الترضية. وقامت نجاة بغناء قصيدة نزار قباني قبل انتهاء سنة 1973، ثم ضمتها بعد ذلك بعامين إلى أغنيات فيلم "جفت الدموع"، من إخراج حلمي رفلة مخرج فيلمها الذي راح لوردة، ومن بطولة محمود ياسين، الذي كان ترشيحها المفضل لبطولة الفيلم المشكلة.

الملفت أنّ أغنية "كان ياما كان" التي أتى ذكرها في وثيقة تنازل بليغ حمدي لنجاة الصغيرة منسوبة إلى الشاعر الغنائي عبد الرحيم منصور، ظهرت بعد سنوات بصوت المطربة ميادة الحناوي، ولكن من تأليف وتلحين بليغ حمدي. ويبدو أن الموسيقار المعروف بإجادته كتابة بعض أغنياته قد استهوته الجملة، فاستهل بها أغنية الحناوي التي يعرفها الناس أيضا بأغنية "الحب اللي كان". أما الأغنية الأولى التي كان عبد الرحيم منصور قد صاغها لنجاة الصغيرة فلا أحد يعرف عنها شيئاً. ومن الجائز أن تنفيذها لم يكن قد اكتمل وقت الإعداد لفيلم "صوت الحب"، الذي كان من المفترض أن تتولى نجاة بطولته.

 

يقرأون الآن