عندما نفكر في العمل الإنساني، يجب ان تتبادر إلى ذهننا مقولة " لا تدع يدك اليسرى تعلم بما تصنعه يدك اليمنى".
ومن هنا، يجب ان ينطلق مشاهير لبنان من فنانين، ممثلين، إعلاميين ومؤثرين، بفكرة تقديم مساعداتهم المختلفة الى العديد من النازحين اللبنانيين الهاربين من الحرب الاسرائيلية التي هجّرتهم من بيوتهم ودمّرت ممتلكاتهم وقتلت عائلاتهم وأحبائهم.
لكن البعض منهم ولاسيما حديثي النعمة والذين يعملون بمهارة على نسب كل النجاحات، تظهر تبرعاتهم ومبادراتهم بخلفيات "أنانية غير إنسانية"، على مبدأ "شوفيني يا منيرة"، متناسين أن الحسّ الإنساني يتجلى بالرحمة والتعاطف تجاه من يخدمونهم، وليس للتباهي بالذات و"تربيح جميلة" بوضع اسمائهم وصورهم وجمعياتهم التجارية على أكياس المساعدات...يا للعار!
عندما نتصفح تطبيقات التواصل الاجتماعي بين "انستغرام" و"تيك توك"، نجد فيديوهات "على مدّ العين والنظر"، نشعر وكأن صناعتها تأتي على النحو التالي:
"الماكياج تمام؟ الكادر منيح؟ ثيابي واضحين آخر موضة؟ النازحين ظاهرين وكأنن موجوعين؟ ما بدي ولا نازح عم يضحك كون ذلك من متطلبات المتاجرة! خلينا نعمل بروفا للبكي والتأثر قبل التصوير"!
ما هذا الفجور؟ هل يعرف "جائعو الشهرة" ماذا يفعلون في نفوس الفقراء والمحتاجين الذين يستخدمونهم؟ هل يدركون كمّ الألم النفسي الذي يتسببون به لهؤلاء؟
ثم من قال إن كل النازحين هم فقراء الحال؟ حتى الفقراء لديهم كرامة وعزة نفس، فهل هناك ما يجرح الكرامة أكثر من تصويرك وأنت تحصل على مساعدة؟ هل هناك ما يمكن أن يؤلم شخصا أكثر من تصويره وجعله يتحدث في مقطع فيديو شارحا للآخرين حالته ومدى احتياجه؟ هل من الإنسانية بأي درجة توثيق لحظة للأبد بينما يتمنى صاحبها لو تُمحى من حياته وذاكرته؟!.
في المقابل، هناك بعض المشاهير يُظهرون النازح بشكل مُحترم، للتحدث عن تجربته وبطولته في مواجهة الحرب والمساعدة التي حصل عليها، وقد يكون هذا أخف وطأة من زيادة جُرعات التسول والمُتاجرة بكرامة الناس وإهانتهم للحصول على التبرعات، لكن الأجمل هو العمل الانساني "الصامت" بلا ابتزاز رخيص للمشاعر واستغلال بشع للتعاطف.
في النهاية، عندما يكون بإمكانك أيها الفنان(ة) أن تصنع ولو فرقاً بسيطاً، فأنت حقاً تسهم في تغيير العالم نحو الأفضل، لكن لا تجعل بينك وبين الإنسانية الحقيقة، فارقًا كبيرًا...