TRENDING

بوستر فيلم "مولود في غزّة"

"مولود في غزة" Born in gaza فيلم وثائقي درامي يروي حكايات أطفال عاشوا الحرب في غزّة أبان العدوان الإسرائيلي في العام 2014، يُعرض على منصة "نتفليكس".

تحاول الفكاك من كل هذا الدمار الذي يحيط بك وهذا الإحباط الذي يغمرك فتبحث عن ملهاة تؤنسك لتخفف وطأة الموت، فتجد نفسك منساقاً نحو هذا الدخان والغليان الذي يشتعل في داخلك فتودّ إضرامه أكثر. من كل أفلام وإصدارات "نتفليكس" لفتني هذا الفيلم بعنوانه Born in gaza.

فيلم مدّته 70 دقيقة يحكي ويسجل حياة أطفال عاشوا مأساة العدوان الإسرائيلي على غزّة عام 2014. وكأن التاريخ يستمر بمأساته المتوسّعة وربما هؤلاء الصغار الذين يتوقون إلى حياة أفضل وأحلام تشبه حلم أي طفل في هذا العالم اليوم لم نعد نعرف مصيرهم في هذه الأهوال التي تعصف في غزّة.

محمد يقتات من القمامة

يبدأ الفيلم بتصوير أبنية قطاع غزّة المهدمة التي بدت أشبه ببسكويت مفتّت ممدّدة على طول الشاشة كأنها الهشاشة المفزعة والهدم الذي يفوح منه الموت المحتم.

الطفل محمد يقود عربة يجرّها حصان حرِن مُقرّح بالجروح يبحث بين القمامة عن قناني البلاستيك ليبيعها من أجل أن يكسب 5 شيكل في نهاية النهار، ليجلب إلى بيته الطعام بعد أن صار معيل العائلة الوحيد بعد وفاة والده بالقصف ويعاون أمه المريضة وأخويه المعاقيّن.

يحلم محمد أن يكون صيّاداً بالرغم من خوفه من غدر البحر. فهذا غير آمن أيضاً، ليس لعتّي موجه بل لأن الجيش الاسرائيلي يمنع الصيد أكثر من بُعد 9 كلم وفي كل مرة يقتلون الصيادين. فكل الأفق مقيّدة بحراً وبراً وجواً وخنادقاً.

أحد مشاهد فيلم "مولود في غزّة"

نحن نزرع الخضار وهم يزرعون المتفجرات

في غزّة منذ زمن لا يوجد حياة ولا أحلام فقط الموت هو الحي الأقوى الذي يتحكم بكل هؤلاء البشر، فنسبة البطالة 45 بالمئة ولا يوجد مداخيل فـ 80 بالمئة من سكان غزّة يعيشون على المساعدات. هذه المساعدات التي لا تكفي سوى لتناول وجبة واحدة فقيرة متقشّفة وغير صحية.

أبطال هذا الوثائقي هم من الأطفال الذين تخالهم كبروا قبل أوانهم ورأوا الفظائع التي تشيب شعر الراس. أطفال يعيشون على الزفير الأخير من الحياة. يقول أحدهم وعمره لا يتجاوز 10 سنوات، بأنه رأى أخوه الكبير الذي عمره 22 سنة يتشظّى أمامه فلم يبقَ ما يستحق للدفن، لقد دفنا لا شيء، وربما الرفاة التي في القبر هي رفاة للحم إنسان آخر قضى بذاك الانفجار، ويضيف: الإسرائيلي لا يقتل البشر وحسب بل يقتل كل شيء حتى الزرع. نحن تهجّرنا من أرضنا هذه 11 مرة بين عامي 2001 و2014 وفي كل مرة نحاول أن نزرع أرضنا لنعيش فلا يتركون لنا زرع فهم يزرعون القنابل ونحن نزرع الخضار.

نحن أطفال ولسنا مجاهدين

أما الطفلة سندس التي تروي مأساتها وهي تشد على بطنها بعد أن أصيبت بانفجار فوقعت أحشاءها منها ورأت أمعاءها تسقط على الأرض لتجد نفسها بعد أيام في المشفى وجسمها يرتجف من الألم.

الفيلم يوثّق كل هذا ويُظهر سندس وهي مرمية في غرفة العلميات وهي تصرخ من الألم وجسمها النحيل الذي يشبه لون الكركم من شدة الهزال. تقول سندس لماذا فعلوا بي هذا! أنا طفلة ولست مجاهدة!

أطفال هذا الوثائقي لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة. فرجاف فقد والده المُسعف الذي يعمل كسائق على سيارة للصليب الأحمر، فقد قُصفت سيارته ومات مع 6 مسعفين آخرين مهمّتهم في الحياة مساعدة الناس. يسأل رجاف هل من المعقول أنه في هذا العالم من يقصف سيارة إسعاف، مهمّته سلمية ويعيش المخاطرة من أجل مساعدة الجرحى!

أبطال الفيلم

يقتلوننا ونحن مركز الأمم المتحدة

في تلك الحرب عام 2014، قضت إسرائيل على 14 سيارة إسعاف وقتل 49 طبيب وشنت غارات على مراكز الاونروا التي كانت تشكل ملجأ للسكان باعتبارها أمنة وتخص الأمم المتحدة. تقول طفلة لجأنا إلى مدرسة الأونروا لأنها آمنة فقصفتها إسرائيل وتوفي 22 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال. فنحن لم نعد نثق حتى بالأمم المتحدة طالما هي ليست قادرة على حمايتنا.

بيسان الطفلة عمرها ست سنوات تلعب على الأرجوحة ورأسها ملفوف بالشاش لقد فقدت والديها في مدرسة الأونروا وأصيبت في رأسها وهي تعيش مع من تبقى من أهلها وترفض أن تتذكر ما جرى يومها فتصاب بالهلع والصراخ وتبكي طوال الوقت حزناً على والديها.

أطفال غزة يفضلون الانتحار على الحياة

أما عصام الطفل الصغير الذي لم يرَ سوى الموت والعذاب في سنواته القليلة مقتول من الداخل لا يفكر بشيء سوى بالانتحار، فقد حاول مرة القفز من الشرفة لكن أخته مسكت به قبل أن يقفز. يجد مرارة الحياة القاسية ولا يقدر أن يتحمل هذا الاختناق المفروض على غزّة. فهي سجن كبير، البحر فيها مقفل والجو مقفل والبر مقفل. يقول نحن نعيش الموت وليس الحياة. وكأننا لسنا أطفالاً كسائر أطفال هذا العالم فلا يريد شيء من هذه الدنيا سوى أن يزول الخوف.

على الحائط صورة أشبه "ببوستر" لمسعف قضى شهيداً. ابنه الذي لا يتجاوز الأربع سنوات يرى الكوابيس في الليل وفي النهار. هكذا يصفه شقيقه الذي يكبره قليلاً. ويقول أخي ينهض في الليل يبكي بجانب الصورة ويلمسها ويقول لوالده لماذا لا تخرج من الصورة لقد طال وقوفك على الحائط.

الفيلم لم ينته بعد

حرب اليوم على غزّة هي تتمة لكل ما يذكر في هذا الوثائقي الذي يظهر الحقائق بكل فجواتها المفزعة وأبنيتها المهدمة وأطفالها الفارغين سوى من الحزن والكآبة والعوز والجوع والحرمان. ربما هؤلاء الأطفال الذين مرّوا وسجلوا شهادتهم في هذا الوثائقي قد قضوا أو فقدوا المزيد من أهلهم. وهم الذين لا رجاء لهم سوى أن يكونوا بشر عاديين يعيشون أسوة بكل أطفال هذا العالم بلا خوف أو رعب.

لكن الرعب يكبر والخوف يزداد شراسة والحرب باتت إبادة والقصف بات أجراماً. والفيلم ما زال حياً يرزق وتزداد فصوله ضراوة.

يذكر الوثائقي أن تلك الحرب وقعت عام 2014 وأدت إلى مقتل 2322 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً (1شهر-16 عاماً)، و489 امرأة (20-40عاماً)، و102 مسناً (50-80عاماً).

كما تسببت بإصابة نحو 11 ألفاً، منهم 302 سيدة، ومنهن 100 سيدة تعاني من إعاقة دائمة، كما وأصيب (3303) من بين الجرحى بإعاقة دائمة.

الفيلم من إخراج الأرجنتيني إرنان زين ورفيق دربه الصحفي الإسباني جون سيستياغا. فيلم ما زالت مشاهده حية ومستمرة لكن بمأساوية أكثر.

يقرأون الآن