TRENDING
صباح .... رحلت وبقي عطرها يخبر أنّ أسطورة مرّت من هنا

صباح

في يوم ميلادها تحية إلى الصبوحة صاحب السيرة العطرة.. رحلت وبقي عطرها يخبر أنّ أسطورة مرّت من هنا.

الصوت لها. والأشقر لها. والأناقة لها. وكل ذاك المجد المطوي في ذاكرة الوطن لها. قلعة كبيرة وقلبها كبير وبيساع الدنيا كلها.

صباح الفن الذي صار التي، إن غنت رددت حجارة بعلبك صداها. وإن مثلت أعادت السينما المصرية تشكيل تاريخها. وإن سافرت جمعت الأوطان تحت خامة صوتها من الأولمبيا في باريس إلى الأوبرا في سيدني وقاعة كارنيغي في نيويورك، وقاعة ألبرت الملكية في لندن.

صوتها كعجائب موطنها، ماء ينضح من الصخر فيبريه. طري كالدمع ومتماسك كأسطورة تتناقلها الأجيال فتطرب. إن مدّت "الأوف " دبكت الأرجل "فيعلى الدار ويعمر". وإن خف شجوها ساعات نامت المسكونة، "وأحس قد ايه وحيده، وقد ايه الكلمة في لساني مهيش جديده."

لم تكن صباح ابنة زمنها بل صنعت الزمن وصار باسمها. تحدّت اسمها فتركت جانيت فغالي خلفها، تحدت عقلية الضّيق فتركت بلدتها وادي شحرور وراحت صوب مصر تغني وتمثل تاركة خلفها 87 فيلماً يروي نهضة الفن السابع.

غنّت الفولكلور فصارت السهل والجبل والنهر، رددت أغانيها الساحات المليئة والشوارع المستيقظة وصارت الصبح لبلدها.

غنّت المصري فتوهّجت كواحدة من أبناء النيل التي تكبر ولا تشيخ، يانا يانا وزي العسل وعاشقة وغلبانة... وترتفع حجارتها لتصبح هرماً في وطنها الثاني مصر الذي اعطته كما أعطت لبنان وأكثر.

رياض السنباطي طوّع صوتها الجبلي الضخم فغنت من داخل أعماقها أغاني خالدة ستبقى الموروث الذي لا يلفه الغبار بل يتوهج مع الزمن أكثر.

غنت للرحابنة فعلقت أغانيها كالدبق تبني تراثاً وتشيد قلعة. "جيب المجوز يا عبود " ويا طير الزعرورة".

الأسطورة خيال لكن صباح حقيقة ناصعة باتت بمواصفاتها الفذة وصوتها القوي وسحرها الذي لا يطغى عليه سحر أسطورة الفن بكل تفاصيله. فهي التي حددت معنى الأناقة فمن يلبسها يصبح نجماً ومن يمشطها يصبح فناناً ومن يلحن لها يصبح مشهوراً. استطاعت أن تعمد الفن باسمها فمن يسقط في جرنها يخرج متوهجاً نضراً فجلعت من خليتها قفير فن بفن.

صباح أحبت الحياة بكل ما فيها. بقيت راسخة كأعمدة رومانية قديمة، متوهجة حتى أخر الضوء، خضراء ظليلة كشجر الأرز. صوتها مدعاة للفرح وحضورها شعاع من ألق. لم تعرف الخفوت ولا الهزيمة حتى ولو كان الموقف خراباً. بقيت واقفة كشعلة تضيء وهج الفن والأعلام وتتكارم حتى أخر فلس حياة.

لو مهما كتبنا عن الصبوحة يبقى الكلام قليل. فبئرها عميق ومحصولها لا تسعه إهراءات، 3500 أغنية خرجت من حنجرة الصبح لتصنع تركة الأغنية اللبنانية و27 مسرحية مازالت فصولها تخلد لبنان.

الحب عند الصبوحة هو كل شيء. تغدقه بكرم كفنها. لا تبخل في لقاء ولا تنفر من معجب ولا تعرف البخل في شيء حتى في قلبها. هذا القلب الذي وزعته شذرات شذارات على عائلتها التي أكرمتهم وأعطتهم حتى أنها لم تترك لنفسها لشيء. للرجل الذي أحاط بها وغدرها مرات عديدة. كل من مسها أو قاربها أغتنى بحبها وكرمها وحضنها.

تلك السيدة المبتسمة على الدوام التي دفنت وجعها عميقاً وأبقت على ابتسامة تنثرها كيفما ما حلّت. عملتها الوحيدة التي تتعامل بها هي الحب والفرح.

مجرد أن تلمح السيدة صباح تعرف أن وقت الفرح بات وشيكاً. أعظم استثماراتها وأبقاها الألفة والابتسامة التي تخلطها بذكاء النفس العفيفة التي لا تغدر ولا تناقش ولا تعبث. لم نسمع يوماً أنّها تشاجرت مع أحدهم خلال أكثر من سبعين عاما في الفن. غرست في حقلها ذاك الوفاء والتعالي وحصدت قلوبا لا تزيح عن حبها.

صباح ليست مجرد فنانة بإرث عظيم إنها مدرسة في الفن والحياة. فهي دوماً مضاءة كحبيبة من نور. وهي دوماً متسامحة كأنها إلهة الغفران. وهي دوماً متعالية كنجمة لا تسقط. وهي كريمة أكثر من الكرم نفسه.

فهي باختصار امرأة الحياة والفن استطاعت أن تصنع نوعاً جديداً من الجاذبية. سيبقى اسمها دوماً محاط بالجمال بكل انواعه والوانه.

يقرأون الآن