TRENDING
في ذكرى رحيلها…  صباح النجمة التي غنّت فوق الألم

إحدى عشرة عاماً على رحيل الفنانة صباح "جانيت فغالي" ابنة وادي شحرور المولودة في 10 نوفمبر 1927. وما زالت صباحات ارثها الموسيقي يشرق في سماء الفنان اللبناني لتكون صدى مباركاً للكثير من الأصوات القادمة وامتحان صوت لكل من يريد دخول الفن من بوابته الواسعة والرصينة.

صوت صباح سكن ليبقى محدثاً عن فن لا يتزحزح، فأوكتاف أوتارها نادرة وصدقها سمة أبدية وشخصيتها مدرسة في عالم الحياة والفن من تواضع وتحمل وصبر وأناقة رفيعة وضوء لا يخبو حتى برحيلها.

شحرورة لبنان التي نركن اليها في أفراحنا، صوت سكننا ساعات ساعات، وقلعة ذات القلب الكبير وهي البساطة بعينها والتألق بكل صفاته.

لم تكن حياة الصبوحة يسيرة وسهلة وبراقة كما كان يبدو ألق صباح بشقارها وضحكتها وتفاؤلها وروحها العالية. بل كان خلف هذا التنميق الجميل الكثير من الوجع.

في حياتها أماتوها وأحيوها مرات عدة وهي كانت تسمع وتصمت فكما حنجرتها تجيد غناء أصعب الالحان وأجملها كانت تجيد الصمت أكثر.


البداية التي وُلدت من الحزن

جاءت صباح إلى الدنيا في وادي شحرور، طفلة يشق صوتها فجر الفرح في بيت بسيط تحكمه الأحلام. لكن القدر كان قاسياً منذ خطوته الأولى؛ فقبل أن تكتمل براءتها وهي بعمر العشر سنوات قُتلت شقيقتها جولييت في عرس، لتكبر صباح حاملة في روحها ندبة مبكرة.

لكن الألم لم يترك بيتها. شقيقها الوحيد أنطوان، المراهق الثائر، قتل والدته وعشيقها وهرب بعيداً ليكمل ما تبقى من حياته باسم آخر. أما صباح، فلم تعرف الحقيقة إلا بعد شهرين، يوم صارحها زوجها الأول وهي في طريقها لرؤية أمٍ لن تراها بعد الآن.

الأب القاسي

وحين ذهبت إلى القاهرة لتصوير أول أفلامها "القلب له واحد" ، رافقها والدها الذي شدّ على حياتها حتى الضيق؛ كان يوقّع عنها، ويتصرّف بأموالها، ويجرح أنوثتها بكلماته. وفي أحد حواراتها قالت إنه كان قاسياً حدّ أنها بحثت في الزواج المتكرر عن اعتراف بأنوثتها، وعن دفء لم تجده في بيتها الأول.

ارث فني و9 زيجات فاشلة

صباح صاحبة 3400 اغنية منوعة، وممثلة في 85 فيلماً، تزوجت من هو بجيل والدها ومن هو بجيل حفيدها، أحبت رشدي أباظة واقترنت بالرؤساء والأمراء، رسخت صورة شبابها الدائم في وجدان جمهورها. خلال مسيرتها، لم يكن غناء صباح على قدر من الإشكالية في حديث الناس بل كانت قصة حياتها وشقارها وجمالها واناقتها هي الحديث.

تزوجت صباح 9 مرات، ولكن كلمة السر وراء هذا العدد الكبير للزيجات هو قسوة والدها الذي اتهمها دائما بأنها ساذجة، بالإضافة إلى قسوته.

رغم بهجة صوتها، حملت صباح في قلبها جراحاً لم تتركها حتى آخر العمر. رزقت بابنٍ أصبح طبيباً نفسياً، وبابنتها هويدا التي كانت أقرب نجمة إلى روحها… لكن القدر كان قاسياً مرة أخرى. انزلقت هويدا إلى الإدمان، وتعثّرت صحتها، فاضطرت صباح إلى بيع منزلها في عام  2006 لتداوي وجع ابنتها، وتنقلها إلى مصحة في كاليفورنيا، بينما اكتفت هي بغرفة في فندق، تضع فيها ما تبقى من عمرها وحنينها.


الموال الحزين

وحين جاءت لحظة الوداع، رحلت صباح فجر 26 نوفمبر 2014 عن سبعة وثمانين عاماً، تاركة خلفها إرثاً مغموساً بالفرح والألم. حتى جنازتها حملت مفارقتها الأبدية: أوصت أن تُشيَّع على وقع أغانيها لا الدموع، فودّعها الناس بالرقص والغناء… كأنها للمرة الأخيرة تقول لهم:الحياة تُغنّى… حتى حين تُوجِع.