TRENDING
قيس الشيخ نجيب

قيس الشيخ نجيب


هذا "الخائن" هو ابن الفن... يجيد لعب الدور كأنه حقيقة.

قيس الشيخ نجيب يبدع في شخصية سيف في مسلسل "الخائن" المعرب عن التركية.

هذه الشخصية الانتهازية المواربة التي لا تعرف الاستكانة عند حد. فهو العاشق كيفما حلّ، حاملاً قلبه وضائعاً يضج على أسرة الخيانة دون حدود.

سيف يبدو كالنّهم لا يشبع من حضنٍ ولا يكتفي بقلب. يتسوّل الحب كمفجوع فهو في بيته الزوج الدّمث، يحب زوجته ويقدرها ويهتم لكل صغيرة وكبيرة، فإن تألمت عالجها وهي الطبيبة، وإن حزنت أدرك مزاجها وطبطب لها. هو الأب المتفاني الذي لا يسعده شيء سوى ملاعبة ابنه وقضاء الوقت معه.


بطل التناقضات

المتفرّج على أدائه مع زوجته وفي بيته يراهن على استقامته ودفئه وحبه. يبدو كالمتفاني لكن بالحقيقة هو كالكيميائي يجيد طبخ السُم بالكثير من الدراية والحنكة. يضيف العناصر الموجبة حتى تصبح طبخته جاهزة للأكل وفاتحة للشهية.

كل شيء عنده مدروس ضمن قاعدته النفسية ومتطلباتها. مع زوجته هو حريص على قُبلته وضمه وقادر دوماً على حضنها والتعري لها، وطلبها بشوق الزوج المخلص. عقله واعٍ أكثر من الوعي لا تفوته فاصلة. دوماً مهندم بثوب الزوج العفيف الذي يداري ويهتم. كلامه معسول وخاطر زوجته غال جداً. لا غبار حوله ولا صغيرة قادرة أن تهزّ موقعه.

في المقلب الآخر سيف هذا عاشق حتى أعماقه. "مدندل" في الخيانة حتى أعماقها. يخرج مع بنت عشرينية صغيرة يلفها بحبه ووعوده على مدى عامين. يوعدها بالتخلي عن زوجته والاقتران بها، ولكن لا شيء من أدائه يظهر أنه سيتزوجها. العشيقة الشابة تحمل طفله وتحتفظ به وهو مازال يلعب بعواطفها وقدرها. تعيش الوجع والضياع "مرام علي" تنام على خوف وتصحو على إرباك. وهو يشبع غرائزه ورجولته من شبابها دون اهتمام لفضيحتها ومشاعرها.

كمّ الكذب والادعاء عند سيف (قيس الشيخ نجيب) لا حدود له. عيونه متلبسة بالخيانة، في لحظة يصبح كلص يحاول مسح جلده بالزيت حتى لا يتمكن أحد من الإمساك به.

زوجته أسيل "سلافة معمار" التي تؤدي دورها بالكثير من المشاعر المتخبطة والوجع الدفين. هي التي ستقشر كذبه ومدى نفاقه وقدرته على التّلطي. الكذب هو زاده حتى عندما تحشره في الزاوية يسخر من أفكارها وينحني أمامها راضخاً كأنه الحبيب الذي لا يستغني عن زوجته ورفيقة عمره.

خيانته ليست فقط جسدية بل هي خيانة مجلجلة على كافة الصعد. فهو يستغل ثروتها ويبددها على مشاريعه الفاشلة دون أن يخبرها. يتصرف بوديعة ابنهما التي هي ضمانة لمستقبله دون أن يخبرها. ينتهز صدقها وعطاءها وثقتها به ويتصرف حتى بالمنزل خاصتهما وهي التي اشترته من أرث أهلها. خيانته تبدو كارثية على العائلة. وهو صامت صمت القبور يدعي ويتلحف بالصدق ويواري كل شيء تحت شعار أنه المهندس الناجح والزوج المتفاني.

"الخائن" ليس عملاً يعالج فقط خيانة الأزواج. بل يذهب أكثر نحو أنواع خيانات أخرى. ومنها خيانة الأصدقاء الذين يعلمون كل شيء ويكذبون. يشاهدون البيوت تنهار ويغضّون النظر. يعرفون أنّ صديقتهم تعيش كذبة ولا يلفتون نظرها. يتفقون مع الخائن صديقهم ويدعمونه ويسّلكون طريقه ويكونون عينه المخفية في غيابه ويسترون خطاياه.


نمر تمثيل

قيس الشيخ نجيب يؤدي دوره بحرفية الكاذب ونذالة الخائن. كل شيء فيه يحكي. عيونه رادار يكشف ويستر. حركته الجسدية التي تتبدل في لحظة بين الهائم وبين الفزّع وبين العاشق وبين الكاذب. جدير به هذا الدور الذي يرغي كالصابون الداخلي. شخصية تغلي من الداخل وعليه أن يكبح كل غليانه ويظهر برودته. ونحن نشاهد أداءه الداخلي وكأن الكاميرا مسلطة على اعماقه. وهذا هو سر نجاح الدور.

دور صعب نفسي سيكولوجي يحتاج نمر تمثيل حتى يؤدي هذا الخبث وهذا الضّياع.

المُشاهد لا يتعاطف مع سيف ويرذله ويمقته. وهذه إجادة منه أن نصل لهذه المشاعر الغليظة.

ليس جديد على قيس الشيخ نجيب مثل هذا الدور. فسبق أن مثل دور الخائن في "ستيليتو" وإن كان وقع خيانته أقل أمام زوجته المتسلطة (ديما قندلفت)" وحبه "لكاريس بشار" الناعمة المظلومة الحنونة.

الخيانة هنا أفظع. لأن أسيل الزوجة أعطته كل شيء وأمنته على كل شيء. وكانت مثالاً في حبها وأمومتها ومكانتها. وهو استغل كل هذا. والأفظع أنه انتهك براءة شابة ووعدها كذباً بما لا يناوي عليه. فضيّع مستقبلها، وحطم قلبها.

قيس الشيخ نجيب استطاع أن يعبئ كل الفراغات ويخرج بطلاً في أدائه مكللاً بالبغيضة والسفالة.

يقرأون الآن