TRENDING
مشاهير العرب

بين تقديس الشر وتطبيع الجريمة ما سبب تواطؤ المشاهد مع الشرير على الشاشة؟

بين تقديس الشر وتطبيع الجريمة ما سبب تواطؤ المشاهد مع الشرير على الشاشة؟

عندما عُرض على الممثل الإسباني بيدرو ألونسو لعب دور "برلين" في مسلسل La casa de papel الشهير، خشي الممثل الشاب ردّة فعل الجمهور، إذ أنّ "برلين" هو أكثر أفراد عصابة البروفيسور شراً، وهو الوحيد القادر على ارتكاب جريمة قتل، شخصيّة قد تنقلب على الممثل لكن ما حصل كان مفاجئاً لبيدرو نفسه.


بيدرو ألونسو بدور برلين في la casa de papel

فقد عشق الجمهور الشخصية وذاب فيها، وأعرب عن غضبه لدى انتهاء الموسم الثاني بموتها، ما دفع بصنّاع العمل إلى إعادته في الموسمين الثالث والرابع على طريقة الفلاش باك، حيث بات الموسمان يدوران في فلك خطّة وضعها برلين منذ سنوات.

وقد أعرب ألونسو في الفيلم الوثائقي الذي أعدّته "نتفليكس" عن المسلسل بعد انتهاء الموسم الرابع، أنّه فوجىء بردّة فعل الجمهور، وتساءل كيف أحبّ المشاهدون هذه الشخصيّة الساديّة المتوحّشة؟

وقال إنّ آخر ما كان يتوقّعه ردّة الفعل هذه.

ليست المرّة الأولى التي يقع فيها المشاهد في عشق الشخصيّة الشريرة، ويتواطىء معها، ويصفّق لإنجازاتها، ويهلع لإخفاقاتها.


ديما قندلفت بدور فلك معوض في ستيليتو

فلك معوض في "ستيليتو"

هو الدور الذي أدته الممثلة ديما قندلفت في مسلسل "ستيليتو"، شخصية نرجسية، فاقدة للتعاطف، شريرة، لا ضوء في نهاية نفقها المظلم، تكيد المكائد وتنصب الأفخاخ، ورغم كل ذلك أحبها المشاهد.

أحبها وتعاطف معها عندما خانها زوجها، وتعاطف معها ضد المكائد التي تعرضت لها، في رد على مكائدها، وحزن لنهايتها المأساوية.


نجوى نمري بدور زليما زاهر في VIA S VIS

زليمة زاهر... السجينة التي لم يسلم أحدٌ من شرّها

في مسلسل Vis a vis الإسباني الذي يدور داخل أحد سجون النّساء، خطفت الممثّلة الإسبانيّة من أصل أردني نجوى نمري الأضواء بدور زليمة زاهر. السّجينة ذات الأصول المغربيّة، التي تمّ تزويجها في سنّ مبكر، فهجرت منزل عائلتها وبلدها، وهاجرت إلى مدريد حيث أسّست مع أحد مواطنيها عصابة أشرار انتهت بها في السّجن.

بين قضبان السّجن، تتفنّن زليمة في تعذيب السّجينات، وتحاول الهروب أكثر من مرّة، تشتبك مع الشرطة، تتسبّب بإجهاض إحدى زميلاتها، تثير الرعب بين أرجاء السّجن.

كان لزليمة أن تكون أكثر الشخصيات المنبوذة في تاريخ الدراما، لكنّ الجمهور عشقها. كان دورها مسانداً لدور زميلتها ماغي سيفانتوس التي لعبت دور ماكارينا، لكنّ نجاحها في دورها جعلها البطلة الأولى، لدرجة أنّ ماكارينا غابت عن الموسم الثالث ولم يشعر الجمهور بغيابها، ليكون الموسم الأخير من المسلسل موسم الممثلتين فقط خارج السجن.

أما لماذا عشق الجمهور هذه الشخصية الشريرة، فالأمر يحتاج إلى دراسة جادّة، لأنّه ليس ثمّة نقطة ضوء في هذه الشخصية المظلمة.


مسلسل Queen Of The South

كاميلا فارغاس... تاجرة المخدّرات

في مسلسل Queen Of The South الأميركي المكسيكي الذي يدور في فلك المافيات ومهرّبي المخدّرات، يتعاطف الجمهور مع عصابة كاميلا فارغاس، المكسيكيّة المقيمة في أميركا، التي يترشّح زوجها لمنصب الحاكم في المكسيك، ويبدأ بمحاربتها وعرقلة وصول الشحنات إليها.

يتخطى ردّ فعل الجمهور مجرّد التعاطف إلى التواطؤ مع كاميلا، حتى ضدّ الشرطة التي تحارب تهريب المخدرّات.

ولا يذهب التواطؤ مع كاميلا ضد الشرطة فحسب، بل ضدّ زوجها، ومنافسيها تجّار المخدرات، كما يتعاطف مع تيريزا، الشابة التي تجد نفسها وقد أقحمت عنوةً في هذا العالم، يجد الجمهور نفسه يطلب لتيريزا الخلاص، ويخشى على كاميلا خسارة تيريزا.


تيم حسن في الهيبة

الهيبة... قاطع الطريق معشوق الجماهير

ليس بعيداً عنا، يأتي مسلسل "الهيبة" الذي انطلق تصوير مسلسل الخامس ليضع الجمهور في مكاشفة مع ذاته. لماذا عشق قاطع الطريق جبل الشيخ جبل (تيم حسن)، الهارب من العدالة، تاجر السلاح، رجل المافيا، الذي لا يحترم القوانين، ويحارب أعداءه بكل الطرق المتاحة، مباحة كانت أم غير مباحة.

شخصيّة جبل باتت واحدة من أكثر الشخصيّات الدراميّة شعبيّة في العالم العربي، ثمّة جوانب مشرقة في شخصيّة جبل، هو الشهم، الكريم، المحبّ الخدوم، لكنّها صفات لا تنفي أنّه مجرّد قاطع طريق خارج عن القانون.


قصي خولي في عشرين عشرين

عشرين عشرين... صافي تاجر المخدرات

كان للجمهور أن يتواطىء مع سما (نادين نجيم) التي تلعب دور ضابط في الشرطة، أرادت الإيقاع بـ صافي (قصي الخولي) تاجر المخدرات، إلا أنّ الجمهور أحبّ هذا الأخير، وتواطىء معه، وغضب من سما عندما أوقعت به.

صافي ليس مجرد تاجر مخدرات فحسب، بل هو أحد المتاجرين بالبشر، يحتجز نساءً في قبو تحت الأرض، يوضبن المخدرات، وينقلنها عبر ابتلاع الأكياس، مع مصير مفتوح على كافة الاحتمالات، كأن ينفجر الكيس داخل معدة إحداهن وتموت جرعة زائدة، فيكون همّ صافي إخراج أحشائها للعثور على ما يمكن إنقاذه من مخدّرات.

لا يهم، فالجمهور أحبّ صافي وتعاطف معه، وينتظر موسماً ثانياً يخرج فيه صافي من قبضة الشرطة، في مسلسل يتصارع فيه طرفان، الشرطة وتجّار المخدّرات فيميل فيه الجمهور إلى المجرمين.


مريم أوزيرلي في حريم السلطان

حريم السلطان... هيام سلطانة القلوب

وبالعودة إلى أشهر المسلسلات التركية، يبرز مسلسل "حريم السلطان" بمواسمه الأربعة، حيث لفتت السلطانة هيام الأنظار، من خلال الممثلتين مريم أوزرلي، وفاهيد بيرشين التي حلّت بديلةً عنها في الموسم الرابع.

هيام كانت جارية، اختطفت من منزل والديها، اقتيدت إلى قصر السلطان، عانت من الظلم إلى أن قررت خطف قلب السلطان بوابة عبورها إلى الخلاص. لم تترك هيام مكائد إلا ومارستها، وعندما تمكّنت من السلطان، وأصبحت زوجته، انتقلت إلى مرحلة الصّراع على العرش، ما تسبّب بمقتل الأمير مصطفى، ابن السلطان من زوجته السابقة ناهد دوران.

كثيرة هي دسائس هيام، وحمام الدّم الذي أغرقت فيه المحيطين بها لم ينته إلا بوفاتها، ورغم كل سقطاتها، عشقها الجمهور، ولم يكن سبب العشق شخصية أوزرلي، إذ أنه استمر في عشق هيام حتى بعد استبدال أوزرلي بالممثلة البديلة.

بكى الجمهور لوفاة هيام، وتداعى الآلاف في تركيا لزيارة ضريحها بعد عرض حلقة وفاتها، ما أثار دهشة الصحافة التركية نفسها، ما سبب كل هذا العشق لشخصية احترفت الشّر حتى أحرقت أولادها؟

ماذا يقول علم النفس عن عشق الجمهور لأشرار الشاشة؟

أخصّائي علم النفس د. وليد خوري، يقول في حديث لـ"هواكم"، إنّ ما يميّز الأشرار على الشاشة هو أنّهم أذكياء جداً، أقوياء جداً، يمتلكون القدرة على النضال والثورة، وفي مكانٍ ما يرفضون الظلم ويمارسون العدالة على طريقتهم.

وبحسب د. خوري، ثمّة لازمة لكل شخصيّة شريرة على الشاشة تبهر الجمهور، فيحاول تقليدها، متماهياً مع سطوة الشخصيّة، القادمة غالباً من طفولة معذّبة.

ففي كل الأعمال التي تمجّد شخصيّة الشرير، ثمّة رواسب من الطّفولة كانت عاملاً مؤسساً لهذه الشخصيّة، رواسب تدفع الجمهور للتعاطف والتواطؤ وأحياناً التصفيق لقدرة البطل على التغلّب على كل عوامل التدمير التي لازمت طفولته، ودفعته إلى سلوك طريق الباطل انتقاماً من الظلم الذي عاناه فمارسه على الآخرين.

ويرى د. خوري أنّ هذه الشخصيات هي غالباً تعاني من عقدٍ نفسيّة متأصّلة من طفولة غير سويّة، تدفع المشاهد إلى التعاطف معها، وإلى إعطائها أعذاراً تخفيفيّة بحجّة أنّها غير مسؤولة عن تصرّفاتها.

أما الأخطر، فهو بذرة الشّر وتقديس القوّة الكامنة في نفوس الكثيرين، يقول د. وليد خوري إنّ هذه النوعيّة من الأعمال توقظ هذه البذرة في نفوس البعض، فيصبح الشرير على الشاشة عينه التي يرى بها، ويده التي يفتك من خلالها، وعقله الذي يخطّط وينفّذ دون خشية العواقب.

ويرى د. خوري أنّ الخطورة في هذه الأعمال هي تقديس الشرّ، وتطبيع الجريمة، وجعلها أشبه بأسلوب حياة، محمّلاً صنّاع الدراما والسينما المسؤوليّة، داعياً إياهم إلى تقديم أعمال لا ينتصر فيها الشّر، حتى لو بدت سرياليّة ولا تشبه الواقع، لأنّ تقديس الشّر متبوعاً بإفلات الشّرير من العقاب يحمل عواقب وخيمة على المشاهدين سيّما صغار السنّ منهم.


يقرأون الآن