من قلب المعاناة جاء منشور الفنانة اللبنانية ورد الخال عبر منصة إكس ليضيء على الواقع الذي يعيشه العديد من الممثلين اللبنانيين المحترفين. "صاروا سنتين ونص.. نعم، عم عدّهن" — عبارة تفتح بابًا على واقع مؤلم يتمثل في الإقصاء التدريجي للكفاءات التمثيلية لصالح منطق السوق والاستهلاك السريع للفن.
ورغم أن غيابها عن الساحة لم يكن ناتجًا عن تراجع مهني أو اختيارات خاطئة، فإن التوقف القسري عن العمل هو نتيجة مباشرة لتقلص الإنتاجات المحلية وضعف التمويل والتوزيع الداخلي وأكثر، هو نتاج الشللية التي تحكم الوسط الفني في لبنان وورد لم تكن يوماً من شلة أحد.
صاروا سنتين ونصف..نعم عم عدّهن ..بأسف انو موهبتي عم تنطمر بهالجغرافيا وبهالتاريخ..
— ورد الخال ?Ward El Khal (@wardelkhalonset) May 10, 2025
سنتين ونصف وكل ما شوف حدا بيسألني"وينك"
وين بدي كون غير بوطني وبلدي؟أنا هون وبعدني هون متل كتار ،او"قلال"بعدهن شغوفين بمهنتهن اللي عم تقتلهن كل يوم.
سنتين ونصف..وبعد كل نجاح،مرارة على سنين من عمري!
تغييب الأسماء المؤسسة للدراما اللبنانية لصالح من؟
ما تواجهه ورد الخال ليس حالة استثنائية، بل ينطبق على طيف واسع من الفنانين المخضرمين في لبنان. حيث ثمة نزعة متزايدة نحو تهميش أصحاب الخبرة والهوية الدرامية الواضحة، مقابل صعود أسماء مرتبطة بمنصات التواصل، تُمنح أدوارًا محورية على حساب الكفاءة الفعلية.
هذا التحوّل في آليات الإنتاج واختيار الممثلين يشير إلى خلل بنيوي في الصناعة، يُنتج دراما تسويقية بدل أن تكون دراما فنية – مجتمعية.
هذا التوجه يفرض نوعًا من "فلترة" للممثلين، حيث يتم استبعاد الأسماء التي لا تُناسب الصورة التجارية المطلوبة، حتى لو كانت تمتلك خبرة وكفاءة عالية.
الفنان بين الانتماء والغربة الداخلية
في سياق منشورها، تقول ورد: "أنا هون، وبعدني هون"، مؤكدة بقاءها الجغرافي في لبنان، لكن مع غيابها المهني. ما تعبّر عنه ورد ليس مجرد موقف عاطفي، بل هو توصيف دقيق لحالة الاغتراب الداخلي الذي يعاني منه الفنان المهني داخل وطنه، حين يُقصى من دوره الاجتماعي والثقافي.
غياب سياسة ثقافية واضحة في لبنان
الغياب المتكرر للممثلين المخضرمين يرتبط أيضًا بعدم وجود سياسة ثقافية وطنية تحمي الفنان وتؤمّن له مساحات إنتاج مستدامة. فلبنان لا يملك بنية مؤسساتية تعترف بالفن كرافعة اقتصادية أو اجتماعية، ما يجعل الفنانين عرضة لتقلبات السوق أو التغيرات السياسية والإقليمية.
ما قالته ورد الخال لا يُعالج بالصمت
ورد الخال، بطرحها الموجز والدقيق، لامست جوهر المشكلة: وجود موهبة حقيقية في بيئة لا تعترف بها كمورد أو قيمة.
توصيفها لحالتها كـ"موهبة تُدفن في هذه الجغرافيا وهذا التاريخ" ليس مبالغة، بل هو تعبير عن نظام ثقافي فاشل في إدارة موارده البشرية والفنية.
منشورها ليس مجرد موقف شخصي، بل بيان فني سياسي يستوجب التوقف عنده كمؤشر لأزمة أعمق تمس بنية الدراما اللبنانية ومستقبلها.
ورد هي عطر الدراما اللبنانية.. إن غابت تركت فراغاً لا تملؤه كل العطور المصطنعة التي فرضها أمر واقع بات لزاماً عليه أن يتغيّر.