TRENDING
كلاسيكيات

من السجن إلى المسرح: كيف قاد اعتقال والد وردة الجزائرية إلى ولادة نجمة؟

من السجن إلى المسرح: كيف قاد اعتقال والد وردة الجزائرية إلى ولادة نجمة؟

تصادف اليوم ذكرى رحيل النجمة الجزائرية الكبيرة وردة. رحلت عام 2012 بهدوء في منزلها، ليشكل رحيلها صدمة لمحبيها.
في هذه المناسبة، نضيء على أبرز مراحل حياتها التي أدت إلى ولادة نجمة.
في صباح يوم 22 تموز/يوليو من عام 1939، ولدت الفنانة الكبيرة في الحي اللاتيني في العاصمة الفرنسية باريس، لعائلة جزائرية بسيطة، كانت تدير مطعماً صغيراً هناك. لم تكن تعلم الطفلة وردة أن القدر يخبئ لها مستقبلاً فنياً زاخراً، وأن هذا المطعم الذي كان يشهد عزف الفرق الموسيقية في الأمسيات، سيكون نقطة الانطلاق نحو المجد.

طفولة هادئة.. وميلاد الشغف

عاشت وردة طفولة هادئة، مثل أي فتاة في عمرها، تحرص على الذهاب إلى المدرسة والمذاكرة والاجتهاد من أجل التفوق. ورغم سماعها اليومي لألحان الفرقة الموسيقية التي تعزف في المطعم، لم تكن تولي الموسيقى اهتماماً كبيراً في البداية.

ولكن كل شيء تغيّر عندما سمعت يوماً إحدى الفرق تعزف أغنية للفنانة الكبيرة ليلى مراد. حينها، توقفت وردة مذهولة، فقد تذكّرت أنها سمعت تلك الأغنية سابقاً في السينما برفقة شقيقها. جلست على السلالم، تنصت وتردد النغمات في خجل ودهشة، لتبدأ شرارة الحب الأول للموسيقى.

اكتشاف موهبتها.. على يد تيجاني

بدأت وردة تنجذب شيئاً فشيئاً إلى الغناء، حتى أصبحت تجلس لساعات طويلة على السلالم تستمع للفرقة، وتدندن مع الألحان. وفي أحد الأيام، دخل المطعم فنان يُدعى أحمد تيجاني لتناول الغداء، فاسترعى انتباهه صوت وردة الصغيرة، التي لم تكن قد تجاوزت الحادية عشرة من عمرها.

طلب منها أن تغني، فغنّت أغنية لليلى مراد، لكنها كانت خجولة، فخرج صوتها ضعيفاً. نصحها تيجاني قائلاً: "كوني جريئة، وارفعي صوتك." فتشجعت، وغنّت من قلبها، فأبهره صوتها وأصرّ على تسجيل أغنية لها.

وبالفعل، سجل لها أغنية باللهجة الجزائرية عن الأم، وقدمها للإذاعة الفرنسية الموجّهة للعرب في شمال إفريقيا. كانت هذه أول خطوة حقيقية في مسيرتها الفنية.

النكسة الأولى: اعتقال والدها وإغلاق المطعم

لكن الأحلام لا تكتمل بسهولة. في يوم مشؤوم، داهمت الشرطة الفرنسية المطعم بعد أن اكتشفت أنه يُستخدم لتهريب الأسلـحة إلى الثوّار الجزائريين. صودرت الأسلـحة، وأُغلق المطعم، واعتُقل والد وردة، رغم تقدّمه في السن، وتعرّض للتعذيب.

هذا الحدث المفصلي أجبر وردة على ترك الطفولة خلفها، لتدخل عالم الاحتراف مبكرًا. استمرت في تسجيل الأغاني لدعم أسرتها، حتى أُفرج عن والدها، فقررت العائلة الانتقال إلى لبنان.

الانطلاقة من بيروت إلى القاهرة

استقرت الأسرة في شارع الحمراء ببيروت، وهناك بدأت وردة بالغناء في ملهى طانيوس، وسط حضور عائلي حفاظًا على سمعة الأسرة. ورغم أن أغانيها كانت وطنية بالأساس، إلا أن صوتها خطف قلوب الجمهور، وانتشرت أغانيها في الإذاعة اللبنانية.

وصل صدى صوتها إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي طلب منها المجيء إلى مصر، كما أبدى المخرج حلمي رفلة رغبته في تقديمها سينمائيًا، وأسند إليها دور البطولة في أول أفلامها "ألمظ وعبده الحامولي".

وبعد نقاشات طويلة، وافقت العائلة على السفر إلى القاهرة، لتبدأ وردة رحلتها الفعلية إلى المجد والشهرة، وتضع أولى خطواتها على طريق النجومية، بفضل الموهبة، والإصرار، و—بطبيعة الحال—أغنية لليلى مراد كانت بداية الحكاية.
قصة وردة الجزائرية ليست مجرد سيرة لفنانة ناجحة، بل حكاية إنسانة بدأت من قلب باريس، وتخطّت الألم والظروف السياسية الصعبة، لتصبح واحدة من ألمع نجمات الطرب العربي في القرن العشرين. صوتها كان هديةً من السماء، وصمودها حفر اسمها في قلوب الملايين.

يقرأون الآن