في موسم درامي مزدحم بالشخصيات المعقدة والحبكات المتشابكة، يبرز مسلسل "آسر" كواحد من أكثر الأعمال إثارة للجدل، لا بسبب قوّة القصة أو تفرّد الطرح، بل نتيجة شخصياته المستفزة ومنها شخصية عزت، التي يؤديها النجم السوري سامر المصري ببراعة لا تُنكر، لكنها للأسف تُغرق في مستنقع من التناقضات الدرامية والقرارات غير المنطقية.
شخصية عزت: بين الأداء المتقن واللامنطقية السردية
منذ الحلقات الأولى، يفرض عزت نفسه كمجرم خطر لا يعرف الخوف، يتنقّل بسلاحه بين الأزقة والمنازل، وكأن المدينة بلا شرطة.
في أحد المشاهد، يقتحم عزت منزل صديقة الخال رستم (التي تجسّد دورها كارمن لبس) وهو يشهر مسدسه أمام الكاميرا والمشاهدين، في مشهد يشبه أفلام العصابات لا دراما اجتماعية تدّعي الواقعية.
وفي السوق يداهم الخال رستم (عباس النوري) حاملاً مسدساً بيده أمام المارين في السوق والباعة وكأن الأحداث تدور في غابة دون شرائع ولا قوانين.
ثم نشهد مشهدًا آخر لا يقل غرابة: عزت يهاجم منزل الطبيب الذي أجرى عملية تجميل لمجد، يهدد ويصرخ ويطلق التهديدات دون أن يظهر أي عنصر أمني أو حتى حس بالواقعية. وكأن صُناع العمل قرروا حذف وجود الشرطة من عالم المسلسل بالكامل.
مطاردات علنية وطعن في الطريق العام
الأكثر صدمة، أن عزت لا يكتفي بالاقتحام والتهديد، بل يلاحق شخصية غازي (يؤدي دوره مجدي مشموشي) في الشارع العام، يحمل سكينه ويطعنه أمام أعين الناس، دون أي رادع قانوني، دون كاميرات مراقبة، دون أي تدخل من عناصر الأمن. المفارقة أن عزت، بعد كل هذا، لا يزال "فارًا من العدالة"، وكأن لا أثر له على الإطلاق!
شخصية ممزقة بين الإجرام والندم
ما يزيد الطين بلّة، هو بناء الشخصية نفسه. فعزت يتصرّف أحيانًا كمجرم دموي بارد، وأحيانًا أخرى يبكي ضحيته كطفل، يظهر ندمًا غير مبرر على أفعال لم يندم عليها قبل لحظات. هذه الازدواجية، رغم كونها عنصرًا دراميًا مثيرًا، جاءت هنا مفككة، بلا جذور نفسية واضحة، ما يجعل الشخصية تتأرجح بشكل غير مقنع بين أقصى الشر وأقصى الضعف.
سامر المصري يتفوّق... لكن النص يخذله
لا يمكن إنكار أن سامر المصري يقدّم أداءً محترفًا، يعكس خبرته الطويلة في تجسيد الأدوار المركبة، ويمنح شخصية عزت حضورًا قويًا ومثيرًا. لكنّ الأداء الجيّد لا يكفي لإنقاذ شخصية تعاني من ضعف في الكتابة، وتناقض في المنطق، وتجاهل تام للواقع القانوني والاجتماعي.
دراما خارج حدود المنطق
شخصية عزت في "أسر" تبدو وكأنها تنتمي إلى عالمٍ منفصل عن الواقع، عالم لا شرطة فيه، لا كاميرات، لا مساءلة. وهي ثغرات تجعل من المشاهد شاهدًا على عبث درامي يفقده الشعور بالمصداقية، رغم قوّة الأداء ووجود عناصر تمثيلية محترفة.
مسلسل "أسر" يمتلك طاقة درامية كبيرة، لكنّه يحتاج إلى حبكة أكثر واقعية، وشخصيات مكتوبة بعناية تحترم ذكاء المشاهد، لا تستخف به.