TRENDING
في ذكرى رحيله الـ44.. لماذا لم يتزوج أحمد رامي من أم كلثوم؟

في مثل هذا اليوم 5 حزيران/يونيو قبل 44 عامًا، رحل الشاعر الكبير أحمد رامي، تاركًا وراءه أكثر من مجرد تراث أدبي وموسيقي. رحل من حمل حبًا أبديًا في قلبه لـ أم كلثوم، حبًا لم يُكتب له أن يُتوّج، لكنه خُلّد في الكلمات والألحان والدموع التي ذرفها بعيدًا عن الأضواء.

قصة رامي وكوكب الشرق ليست فقط قصة شاعر ومطربة، بل حكاية حبٍ سامٍ، رافقها وفاء وصمت وعذاب، عاشت في الظل ولم تُعلن يومًا، لكنها ظهرت في كل بيت عربي غنّت فيه كوكب الشرق كلمات رامي.


من أول نظرة.. بدأت الحكاية

حين عاد أحمد رامي من فرنسا عام 1924، بعد دراسة الأدب واللغة، تعرّف إلى أم كلثوم في إحدى الحفلات. لحظة واحدة كانت كفيلة بقلب كيانه. أحبها من النظرة الأولى، كما قال لاحقًا، وكتب لها أولى كلماته محمّلة بالدهشة والانبهار. من تلك اللحظة، ارتبط اسمه بها، وصار صوتها لسانه، وصارت كلماته هي قلبها الغنائي النابض.

كتب لها أكثر من 300 قصيدة وأغنية، منها ما أصبح جزءًا من الذاكرة الجماعية: "جددت حبك ليه"، "رق الحبيب"، "هو صحيح الهوى غلّاب"، "أنت عمري"، "سهران لوحدي"، وغيرها كثير.


الحب الصامت: لماذا لم يتزوج أحمد رامي من أم كلثوم؟

في زمن لم يكن الإفصاح عن المشاعر مقبولًا إلا شعرًا، عاش أحمد رامي قصة حب مؤلمة. لم يُخفِ أبدًا عشقه لها، لكنه لم يُفصح عنه بشكل مباشر إلا بعد وفاتها.

وعندما سُئل لماذا لم يتزوجها، أجاب بإيجاز صادق:

"اهتمامي بها كان أكثر من اهتمامي بنفسي، ولكنني لم أكن الرجل الذي أحبته، كانت تحبني كصديق ومخلص ومُحب، وأنا قبلت بذلك حتى النهاية."

لم يكن هذا القبول ضعفًا، بل عرفانًا. فقد آمن رامي أن أم كلثوم لا تتكرر، لا كصوت، ولا ككائن. لم يجرؤ على مطالبتهــا بما لم تكن مستعدة لإعطائه، فبقي بجانبها داعمًا، كاتمًا، وشاعرًا ينزف على الورق.


سنوات الوحدة: الحزن بعد الرحيل

في الثالث من فبراير 1975، توفيت أم كلثوم. توقّف الزمن بالنسبة لرامي. انسحب من العالم، واعتزل كل ما يمتّ إلى الحياة بصلة. لم يتحدث عنها عامًا كاملًا، ورفض مشاركة حزنه مع أحد، حتى أفراد عائلته.

قال في أول حديث صحفي بعد وفاتها:

"أُصبت بالاكتئاب أربع مرات بعد رحيلها، ولم أعد أرغب في الحديث عنها حتى مع أهل بيتي. ذكرياتي معها أقوى من أن أعبّر عنها بكلام."

ظل يرى طيفها في كل مكان، يسمع صوتها وهو وحيد في بيته، ويتحدث معها وكأنها لم تغب، وكأنها لا تزال بينه وبين الضوء.


رثاء أحمد رامي لأم كلثوم

بعد عام من رحيلها، كتب رامي رثاءً حارقًا، لم يكن نصًا عاديًا، بل تفجّر فيه حزنه كبركان:

 ما جال في خاطري أنّي سأرثيها

بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها

قد كنتُ أسمعها تشدو فتُطربني

واليوم أسمعني أبكي وأبكيها

وبي من الشَّجْوِ.. من تغريد ملهمتي

ما قد نسيتُ بهِ الدنيا وما فيها


رثاء لم يكن مجرد مرثية، بل خيانة اضطر إليها.. كأن الكتابة عنها بعد موتها كانت طعنة إضافية في قلبه، لكنها كانت الطعنة الوحيدة التي لم يتمكن من تجنّبها.


حب لا يموت.. وذكرى لا تغيب

كان أحمد رامي يقول:

"كنت أرى أم كلثوم تبكي وهي تغني، فسألتها: لماذا؟ قالت: أسمع قبل أن أغني."

هكذا كانا، متشابهان في الإحساس، متوحدان في الشغف، لكن مفترقان في النصيب.

واليوم، بعد 44 عامًا على وفاته، يبقى رامي شاهدًا على واحدة من أنبل قصص الحب في العالم العربي، حب لم يُسجّل في دفتر الأحوال الشخصية، لكنه طُبع في كل قلب غنّت له أم كلثوم كلماته.


يقرأون الآن