من أرشيف كواليس السينما المصرية في عصرها الذهبي، تبرز حكاية طريفة – ومؤلمة – في آن، بطلها النجم الراحل أحمد رمزي، وضحيتها: جسده.
الحكاية تعود إلى أحد الأفلام التي جمعت رمزي بالمخرج الكبير يوسف شاهين، وتحديدًا إلى مشهد صوِّر على رصيف ميناء الإسكندرية، وجمعه بالنجم عمر الشريف، على خلفية صراع درامي بين شخصيتيهما للفوز بحب فتن حمامة.
تم تفريغ الرصيف خصيصًا لفريق العمل، وبدأت التحضيرات باكرًا. المشهد الذي كتبه شاهين بدقة متناهية، كان سينتهي بسقوط رمزي في البحر بعد أن يتلقى لكمة من الشريف. لكن البحر لم يكن كما تُصوّره شاشات السينما… كانت مياهه ملوثة ببقع زيت ونفايات طافية، وهو ما أثار قلق رمزي وامتعاضه، إلا أن رد شاهين جاء قاطعًا كعادته:
"كل الميه فيها زيت… وبذور البطيخ دي؟ حكاية فارغة!"
الاعتراضات لم تُجدِ، وتم التصوير كما هو مخطط. لكن المفاجأة لم تكن في الماء الملوث، بل في اللكمات التي خرجت عن نطاق التمثيل. إذ يُقال إن شاهين همس لعمر الشريف قبل التصوير بجملة مقتضبة فهم منها أن المطلوب أداء "أقرب ما يكون للحقيقة".
النتيجة؟ رمزي تلقّى ضربات حقيقية، وسقط في الماء وسط شبكة صيد صدئة، في لقطة وُصفت بعد عرض الفيلم بأنها واحدة من أبرع مشاهد مسيرته. لكن خلف الكاميرا، كانت الصورة مختلفة تمامًا.
فور خروجه من الماء، أصيب رمزي بحالة غثيان شديدة، وعاد إلى الفندق ليأخذ حمامين ساخنين في محاولة لطرد الرائحة العالقة. إلا أن أثرها طارده حتى في نومه، ومع شروق اليوم التالي، بدأت معاناته الحقيقية: التهابات جلدية حادة استمرت لأيام، تطلّبت علاجًا ومراهم وبقاءه في الفراش.
وبينما كان رمزي يُصارع آلامه، ظل يوسف شاهين يُشيد بالمشهد ويمنحه “عشرة على عشرة”… تقييم فني، قابله رمزي بأيام من الإنهاك البدني والنفسي.
حادثة تختصر فلسفة شاهين السينمائية: لا مساومة على الواقعية، حتى لو دفع الممثل الثمن بجسده.
هكذا خُلدت اللقطة في تاريخ الفن، لا كإنجاز سينمائي فحسب، بل كذكرى دامغة لما كانت عليه كواليس السينما في عصر لا يعترف بالمؤثرات أو البدائل، بل يكتفي بالحقيقة… مهما كانت موجعة.