TRENDING

عندما يتحوّل الترقيع إلى أسلوب إنتاجي، يصبح "آسر" مثالاً صارخاً على مسلسل مفكّك، بلا حبكة متماسكة، يستجلب أفكار كبار الأدباء ونورانيتهم في سمو الروح، ثم يُسقطها على مشاهد القتل والغدر، في محاولة يائسة للارتقاء بمحتوى لا يرتقي.

مشاهد الأمس كانت شاهداً على اعتداء صارخ على عظمة جبران خليل جبران. روحانيته صارت مداساً في دراما تتحدث عن الإجرام والقمار وخطف الأطفال، بينما تتلى كلماته في خلفية الأحداث، ببرود وانفصام عن السياق.

المشاهد يقف مذهولاً، لا من عبقرية النص، بل من فجاجة هذا "الترقيع". فلا يمكن للدراما القائمة على الانتقام أن تستقيم مع نصوص الترفع. لا سيما حين تكون جميع الشخصيات مشكوكًا في نقائها، مرضى نفسيين بلباس البطولة، في عمل ممل، لا يُقنع ولا يُثير تعاطفاً.


الممثلون واقفون كالأخشاب في عراء التنفيذ، يطبقون خططهم السافلة في دراما مفككة، تتخللها كلمات تُردَّد عادةً في قداديس الإيمان. ليس فقط جبران، بل أيضاً الرومي، وسواهما من مفكرين ارتقوا بالروح البشرية، تُلقى كلماتهم في فم قاتل أو خاطف أو مقامر، في مشهد منفرّ من أي منطق جمالي أو أخلاقي.

القائمون على "آسر" حاولوا منح العمل بعداً "عميقاً" بإدخال صوت يتلو حِكماً صوفية، لكن لا هم ارتفعوا، ولا الدراما ارتقت، ولا هذه الأفكار وجدت مكانها الطبيعي. لقد جرى اغتيال الفكرة قبل ولادتها.

المفكرون الذين نادوا بالحرية والحب والعطف لم يُكتبوا ليُستخدموا كزينة في مشاهد الكراهية والانتقام والبغضاء.

"آسر" يتخبط بعشوائية الأفكار: الظالم يتحوّل إلى مظلوم، والسارق إلى ضحية، والخير والشر يضيعان في متاهة من الخطط الغامضة التي لا نفهمها. وكل مرة يصرّ آسر على أنها "آخر خططه"، لينتقل بعدها فوراً إلى خطة جديدة.

أحداث متداخلة، شخصيات واهنة، نص مهلهل لا تُجدي معه الحِكم الصوفية ترقيعاً. بل تتحوّل تلك الاقتباسات إلى تعدٍ فني وفكري على إرثٍ كان من الأجدر أن يُصان.

يقرأون الآن