في مثل هذا اليوم، 14 تموز/يوليو عام 1944، رحلت أسمهان، الصوت الملائكي والوجه الغامض في تاريخ الفن والسياسة، ورغم مرور 81 عامًا على وفاتها، إلا أن حكاياتها ما زالت تُروى، وتفاصيلها تتفتح كجراح قديمة لا تندمل.
من صندوق أسرار لا يجرؤ أحد على فتحه، إلى قصر لبناني يلفه الغموض ويخشى الناس دخوله... إرث أسمهان ليس فقط في صوتها، بل في ألغازها التي لا تزال بلا حل.
صندوق أسمهان.. رسالة ونجفة وانفجار غامض
في عام 1956، كتب فؤاد الأطرش، شقيق أسمهان، مقالًا صريحًا في مجلة "الكواكب"، روى فيه تفاصيل مخيفة عن صندوق أوراق أسمهان الذي ظل يحتفظ به 12 عامًا. قال إنه شعر بدافع داخلي غامض يدفعه لفتحه أخيرًا، ليبدأ فصل من الرعب الحقيقي.
فتح فؤاد الصندوق، ليجد أولًا خطابًا موجّهًا إلى صديقة مقرّبة تطلب فيه أسمهان قرضًا، لم ترسله أبدًا. ثم كشف حساب من محلات "شيكوريل" لملابس وفرو. لكن الورقة الثالثة كانت مختلفة... ما إن أمسك بها حتى دوّى صوت فرقعة، وسقط نصف النجفة فوق الصندوق!
يقول فؤاد:
"اختفت الورقة تحت النجفة.. شعرت بالذعر، كأن أصواتًا تصرخ في أذني: ابتعد!"
هرب من الغرفة، وأصيب بكوابيس وهذيان، وأقسم ألا يفتح الصندوق مجددًا. ظل الصندوق مغلقًا لـ12 عامًا أخرى، قبل أن تعاوده فكرة فتحه، ويتساءل:
"هل أفتح الصندوق وأواجه الحقيقة؟ أم أحرقه وأنجو بجلدي؟"
قصر أسمهان في لبنان.. لعنة أم أسطورة؟
على طريق "عاليه – بحمدون" في لبنان، يقف قصر بديع شُيّد خصيصًا لأسمهان. اختارت موقعه الشعري فوق رابية خضراء بنفسها، لكن القدر اختطفها قبل أن تراه مكتملًا.
رصدت مجلة "الكواكب" حكاية هذا القصر في تقرير للمحرر سليم اللوزي، الذي تتبع الروايات المتداولة عنه. القصة الأكثر شيوعًا تقول إن رجلاً أرمنيًا فقيرًا يُدعى أبرو أبريان استعان بأسمهان لحل أزمة مصادرة بضاعته من قبل الجيش الإنجليزي. تدخلت أسمهان بنفوذها، فرفعت المصادرة، لكنه حين قدّم لها مبلغًا من المال مكافأة، رفضته قائلة:
"ما خدمتك لأجل المال، بل لأنك استنجدت بي."
ردّ الرجل بهدية غير متوقعة: تصميم فرنسي فاخر لقصر على الطراز العربي الحديث، في المكان الذي حلمت أسمهان ببناء كوخ فيه. بدأ البناء، لكن أسمهان توفيت في حادث غامض بمصر قبل انتهاء المشروع، وظل القصر مهجورًا، ملكًا للأرمني الصامت.
كل من دخل القصر أصابته لعنة
حين حاول محرر الكواكب زيارة القصر، توالت المصائب: موت والده، مرض المصور، ثم مرضه هو نفسه... حتى تمكن أخيرًا من الذهاب. لكنه فوجئ بأن صاحب القصر رفض مقابلته، وهرب من الباب الخلفي.
حكى له البواب والبستاني عن غرائب القصر:
كل من يعمل فيه يُصاب بهستيريا بعد مدة قصيرة، لا يبقى خدم أكثر من صيف واحد، يعيش المالك في عزلة تامة، ولا يزور أحد ولا يُزار.
القصص كثيرة، وكلها تنتهي عند نفس السؤال: لماذا هذا القصر ملعون؟ ولماذا يخاف الناس الاقتراب منه؟ وهل ما زالت روح أسمهان تحوم حوله؟
إرث من الغموض.. هل قتلت أسمهان فعلًا؟
ما بين صندوق لا يُفتح وقصر لا يُدخل، تظل أسمهان لغزًا مستمرًا. هل كانت مجرد مطربة؟ أم سيدة أدوار خفية في السياسة؟ من وراء حادث موتها المفاجئ؟ هل قُتلت لأنها عرفت أكثر مما ينبغي؟
أسئلة بلا أجوبة… ولعل صندوق فؤاد الأطرش كان يحتوي على بعضها، لكنه اختار الصمت. وربما ما زال القصر المهجور في لبنان يحمل في جدرانه آخر أسرار الأميرة المغنية.