TRENDING
من واقع اللبنانيين إلى المسرح.. ضحك بطعم الألم مع جون أشقر


امتلأ مدرّج "أعياد بيروت" بالكامل في ليلة عرض الـ"ستاند أب كوميدي" لجون أشقر.

قدّم العرضَ الكوميدي اللبناني-الأميركي نمر بو نصار على طريقته، مستخدماً اللغة الإنكليزية بين قفشات وسخريات، إلا أن كثيراً من الحاضرين لم يتجاوبوا معه، فعبر عن استيائه بطريقته المازحة، من دون أن يدرك أن هذا الجمهور لم يأتِ لسماع مفاصل ضاحكة بلغة قد لا يجيدونها، بالرغم من أهمية وبراعة بو نصار في هذا المجال.


سرد مشدود الأوصال

جون أشقر بارع في انتزاع الوقت وصقله بسرده المطول الذي لا تشعر معه بالملل. حيوية ناهضة، وأداء ممثل يجسد السردية بروحية فكاهي ينتقل من قصة إلى أخرى بخيط واحد مشدود، لا تعرف كيف بدأ، ولا إلى أين سينتهي المطاف معه. فعندما أقفل عرضه، بدا الأمر كمن يقفل حلقة مشوقة، وهناك تتمة أخرى لها.

أداء مكتمل

يتفرد جون أشقر بأسلوبه الرشيق، وشخصيته القادرة على تجسيد كل ما يقوله. يغيّر صوته، يتحرك بانفعال، يعرق، يشعل كل جسده على المسرح.

يقدّم أداءً مكتملاً للشخصيات، يجمعها في باطنه، فتجده يحترق أمامك حتى تصل الفكرة من كل جوانبها: سخرية وألماً وتهكماً.


جون أشقر، الضليع بحياة اللبناني وهمومه وشجونه، يأخذ من هذا الواقع مادته، ويدورها بطريقة ساخرة ليست فجة ولا مبتذلة، بل بذكاء من يريد أن يكون جمهوره واسعاً ولكل الأعمار، من دون أن يتسبب بخدوش مؤذية، بالرغم من أن الأمر لا يخلو من بعض الألفاظ النابية التي يبدو استعمالها اعتيادياً في الشارع اللبناني.

جون أشقر يعيش اللحظة كأنها واقع يحدث الآن، يشارك الجمهور في صياغتها، يستفتيه ويأخذ برأيه، مدركاً أن هذا التفاعل يقرّب الحس الفكاهي. ثم يصوغ السكاتش بذكاء، يبدأ من العام، ويتفرد في تفاصيل القصة لتصبح شخصية، يستعرض فيها نفسه وحكاياته اليومية، ويجعلها مادة للسخرية والضحك، بعد أن يغلفها بالحس العام، وهنا تصبح متفجرة وتلامس الجميع.

فرادة السرد علاج نفسي

فرادة جون أشقر أنه قادر على تحويل حياته وأحداثها إلى مادة ساخرة ولا‌ذعة، مضحكة أحياناً ومبكية أكثر الأحيان. تغليف مأساتنا بالابتسامة والسخرية يبدو كعلاج نفسي لكل شخص ينهار أمام مصائبه أو يتألم من واقعه.

فهو بارع في تحويل الحدث المرير والقصة الموجعة ومصائب الحياة إلى فكرة قابلة لأن نضحك منها ونهزأ بها، تشكل علاجاً نفسياً لكل من يسمعه.

إنه يثقب المصيبة بالضحك والسخرية، يهونها، يسهلها، يجعلها قابلة للامتصاص والتعايش معها على أنها حدث عابر، بالرغم من كبرها وقدرتها على التشظي داخلنا بألف مرارة.