تتصدّر روبي من جديد.. أغنيتها باتت الأكثر رواجاً.. خطفت الأنظار وأصبحت الأكثر تداولاً في زمن الحروب والأزمات حيث الفن في أدنى الأولويات.
ثلاث ساعات متواصلة ليست كافية لا في قاموس الحب ولا في عباب الشوق ولا في خضم اللقاء.
ثلاث ساعات غير كافية أن تقطع فيها عبّارة ولا سوقاً مزدحماً، ولا كافية لقضاء غداء محترم.
لكن روبي تكفيها 3 ساعات متواصلة: أول ساعة هروقك تاني ساعة هشوقك تالت ساعة هدوقك إزاي قلبي بيعشقك.
هذه الكلمات أقامت الدنيا ولم تقعدها. وصفت بالفاضحة والخادشة والجريئة.
بعيداً عن مستوى الاغنية الفني أو الطربي، أين الفضيحة بكلمة هروقك وشوقك ودوقك إزاي قلبي بيعشقك.
في قاموس الروقان والشوق والتذوق لا تكفي ساعات قليلة لتعبئة كل جرار الحاجة. نحتاج عمراً لترميم هذا الشوق والحرمان. ربما كان على روبي أن تغني لزمن بحاله ينفينا عن البشر وعن السواد والعتمة. لكن حتى التقشف ممنوع. والاكتفاء ممنوع والحب ممنوع والشوق ممنوع.
تنتفض الأمة من أجل أغنية، الألسن تسحب خارج الأفواه من أجل كلمة شوق أو دوق. ينخدش الحياء، ينبري الأخلاقيون، تسلط الأفكار النجيبة على كلمة في معرض أغنية خفيفة "فرفوشة".
كيف لهذه العقول أن تنتبه وتهتم لأغنية سواء كانت من أهم فنان أو أسوء فنان. الا يوجد في هذه الحياة ما يهزهم أكثر من أغنية. ألا يوجد وجع يؤلمهم سوى كلمات أغنية. ألا يوجد حولهم مصائب تشقيهم أكثر من الروقان.
المبالغة ليست في الاغنية ولا في كلماتها أو مستواها. المبالغة في ردة الفعل حولها. في ذاك النشاط الحيوي في الاحتجاج. صدقت روبي عندما طلبت ساعات قليلة لتناجي الأمزجة الطيبة. لأن الشفاء صعب وسط هذه الحماقة. وساعات غير كافية حتى يغتسل المرء من كل هذا الهراء المنتشر في كل قاع وبقاع.
الغردقة وشط اسكندرية قد يفي بالمطلوب. والهروب نحو جبال مقفرة بين أدغال الشجر وقرب خرير الماء قد يزيح بعضاً من هذا السم المستشري في عروق ناشفة الا من الضغينة والتفاهة.
قد أعطتهم روبي مادة ليستنكروا وفعلوا ذلك بشدة. وقدموا لها الشهرة على طبق لا ينسى. ونجحت وصارت أغنيتها "الفاشية المرذولة" على كل لسان. فهي التي كسبت بكل الأحوال. وساعاتها القليلة باتت أيام عندها بسبب كل هذه الرنة والطّنة.
غريب كيف كلمة في أغنية ليس لها أي مدلول فاقع قادرة أن تثير وتشعل فتيل المكبوتات والمحظورات.
هذا الذي كل واقعه مهندم ومرتب بالحياء وسط عالم يتشقف ويتشرذم ويموت على مرمى حجر. وهو يخدش من أحرف جمعها "دوق". تفتحت في مخيلته كل صور الخلاعة والزندقة وتهشم ترتيبه الأخلاقي.
هذا الذي استفز من أغنية ألا يستفزه كل هذا الكدر الكبير الذي يلم بنا جميعاً؟
عزيز الشافعي الملحن وشاعر لأغنية 3 ساعات لم يقل شيء وما قاله يمر كما مرت قبله: "دخيلك يا محبوبي خليني شوفك باليل . . . الليلي بعد الغروب مش عيب الملقى باليل . . . الليل بيستور العيوب".
وقبله شاعر كبير كتب وعظيمة غنت وطربنا بما قالوا ورددناها على مسمع أطفالنا وسكنا في لحنها: أمي نامت ع بكير وسكر بيي البوابه وأنا هربت من الشباك وجيت لعيد العزابه. يا ورد العايق بالطول بتضل بحالك مشغول شوكك بتيابي علــــق هلق لإمي شـــو بقول."
الخّزي ليس فيما غنت روبي بل في مَن يسمع ويستشعر ويغرق في مستنقعات الفكر والاحساس.