يفتح الشامي فضاء الإعجاز ويستمر في تحليقه. "بتهون" جديده الذي يُضاف إلى مسيرة قصيرة استقطبت حب الملايين.
كلام غير مطروق فيه رائحة الكهوف
لم يشبع الشامي من مفردات عصيّة يستعملها كأنه يكتشف عالماً آخر في التعبير:
"جار الزمان يا عيني
باعوني اللي منّي وفيني
سهي الوفا اللي فيهن
رشّوا العتم يروّيني"
سرّ الشامي في تلك الكلمات غير المطروقة وذاك السياق الذي لا يشبه أقوال الشعراء. كلام فيه رائحة الكهوف وغبار الزمن الرمادي. يعرف كيف يجمع حطبه من غابات بعيدة ويشعلها في وقدة من نواح وتحدٍّ.
عالم موشوم بالغربة
لم يخرج الشامي في أغنيته الجديدة "بتهون"، التي لحّنها وكتب كلماتها، عن كل ما سبق وقدّم. بل ما زال يراوح في فلكه الموشوم بتلك الغربة والكلمات البِكر التي رفعها في قاموس الغرابة الذي بات تجديداً.
"وتهون يا قلوب لو خان رمل الأرض
وتروح ندوب لو رجعولي رفاق الدرب"
ليست الكلمات التي ارتفعت في حناجر سامعيه ذاك السرّ الذي يخبئه، بل مضاف إليها تلك النشوة وتلك الصرخة وهو يؤدي بصوت من نواح، تلك النبرة المعجونة بأحاسيس من بكاء وألغام متفجّرة على شكل لحن مدوٍّ يقصف القلوب بالتأوّه والغربة والحنين.
ثلاثية من كلمات بكر ونواح صوتي وموسيقى عصرية
خاصية التفرد عند الشامي تقوم على كلمات جديدة مبهمة، صوت من نواح وتربّص وأشجان ملتفّة بموسيقى حضرية صاخبة تأتي على فرح أو على رقص وهزج.
يجيد الشامي خلط ذاك العتيق في التعبير مع موسيقى جديدة صاخبة ومع مشاعر قوية ينحتها بصوته. فتولد معه أغنية لا نجدها إلا في قاموسه.
استعاراته اللفظية مثل "كالدم، الصوت، العِشرة" تشكّل دفاعه عن مشاعر الفقدان والخذلان، ثم يزيد ويكرر مع كلمة "عادي" ليخلق ذاك الجو الدرامي ويرفع مستوى الأداء الملحمي في استخدام التعابير المتناقضة: الوفاء مقابل الغدر، العِشرة مقابل الخيانة. هذا التوتر يخلق ملحمة درامية قوية.
لم يكتفِ الشامي بكلمات موجعة ليعبّر عن الخذلان، بل ذهب نحو الفضاء ليخلق تلك الرمزية من وجوه مقنّعة غير مرئية وأفعى تتلوّى على الأيادي.
في "بتهون" وسواها، يثبت الشامي أنّه فنان له ملعبه الخاص الذي لا يتقاطع مع سواه. استطاع أن يلامس وجدان الجيل الجديد ويكون نفيراً حديثاً له لمسات فنية غير مطروقة.