TRENDING
رشيد طه في ذكرى رحيله الثامنة: مهاجر من الجزائر غيّر وجه الموسيقى

في 12 أيلول/سبتمبر 2018، رحل رشيد طه عن عالمنا بنوبة قلبية مفاجئة في منزله بباريس، تاركًا إرثًا موسيقيًا لا يُنسى، وصوتًا جزائريًا أصيلًا استطاع أن يكسر كل الحواجز بين الشرق والغرب، بين الراي والروك، وبين الثقافة العربية والأوروبية.


طفل الثورة في ليون الفرنسية

وُلد رشيد طه في 18 سبتمبر 1958 في مدينة سيق بالجزائر، بينما كانت ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في أوجها. بعد نجاح الثورة بست سنوات، هاجرت أسرته إلى فرنسا واستقروا في مدينة ليون، ليجد الطفل الجزائري نفسه فجأة بين ثقافة جديدة ولغة جديدة، كجزء من الجيل الأول من المهاجرين الجزائريين. كان عليه أن يتأقلم، أن يتعلم، وأن يعمل في المصانع والمطاعم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره. لكن قلبه وموسيقاه كانا يحلمان بأشياء أكبر.


"بطاقة إقامة": البداية التي هزّت باريس

في عام 1980، ومع مجموعة من أصدقائه، أسس رشيد فرقة موسيقية أطلقوا عليها اسم "بطاقة إقامة" (Carte de Séjour). لم تكن فرقة عادية، فقد مزجوا بين موسيقى الروك، الراي، الفانك، وأغاني أم كلثوم. ألبومهم التجريبي الأول سرعان ما أصبح مصدر إلهام لموجة جديدة في الموسيقى، حتى أن فرقة "ذا كلاش" البريطانية استلهمت منه لاحقًا أغنيتها الشهيرة "Rock the Casbah"، على الرغم من تجاهلهم الأولي لهم.


بين الروك والراي: مغامرات موسيقية بلا حدود

لم يكن رشيد طه مجرد مغنٍ، بل كان مستكشفًا. طوال الثمانينيات والتسعينيات، تنقل بين لندن وباريس، يمزج بين الإيقاعات الشرقية والغربية، بين موسيقى الصحراء، الكناوة، والدربكة، وبين الروك والفانك والإلكترونية. كل ألبوم له كان تجربة جديدة، كل أغنية كانت تحديًا لنماذج موسيقية تقليدية.


أغاني لا تُنسى: من "يا الرايح" إلى "جميلة"

أغنية "يا الرايح" كانت لحظة التحول الكبرى. أعاد رشيد تقديم أغنية دحمان الحراشي بتوزيع روك وإيقاعات كناوية، لتصبح نجاحًا عالميًا بين أوروبا والعالم العربي. ثم جاءت أغنية "زبيدة"، قصة فتاة جزائرية تقف ضد ضغوط المجتمع الأبوي، والتي أعاد تقديمها لاحقًا في ألبومه الأخير "زووم" باسم "جميلة"، ليعيد طرح قضاياه المفضلة حول حرية المرأة، المجتمع، والهوية.


رشيد طه: قلب منفتح على العالم

رشيد لم يكن فقط موسيقيًا، بل كان صوتًا لقضايا اجتماعية وسياسية. من مواجهة العنصرية في أوروبا، إلى التعبير عن رفض الظلم والقمع في الجزائر، كان قلبه مفتوحًا للتجارب، وعقله منفتحًا على كل ألوان الموسيقى وكل الفصول الثقافية. تعاونه مع الموزع ستيف هيلاج، ومع الشاب خالد والشاب فضيل في حفلة "شموس 1.2.3"، مثّل ذروة صعوده، ليصبح رمزًا للهوية الجزائرية في العالم المعاصر.


إرث خالد لا يموت

اليوم، بعد مرور ثماني سنوات على رحيله، لا تزال أغاني رشيد طه تصدح في النوادي والمسارح، وتلهم الأجيال الجديدة. موسيقاه ليست مجرد ألحان، بل رسالة عن الحرية، التعددية، والتحدي. رشيد طه ليس مجرد اسم في سجل الموسيقى، بل هو قصة الجزائر والعالم، قصة كل من يسعى لكسر القيود وتحقيق حلمه بصوت موسيقي لا يُنسى.