صوت يغنّي، ليبوح. يُطرب ليشهد على وجعٍ دفين في الروح. صوت حزين حساس كأوركسترا من ألم.
صوت كالنشيج
هذا هو صوت مهى فتوني في أغنية "مأساة " صوت يأتي كالنشيج، يترنّح على حافة العذاب، يعلو ثم يخفت كصراخٍ داخليٍّ يهبط إلى الأعماق.
في أغنيتها الجديدة "مأساة"، كأنها لا تغني بل تُجسّد الألم نفسه. تنقل المستمع إلى شواطئ الخذلان وهي ترنم حزناً لا يمكن تجاوزه. تقول إن للدمع جماله وللانكسار موسيقاه الخاصة.

النفق الشجي
منذ اللحظة الأولى، للاستماع إلى اغنيتها الجديدة يدخل المستمع في نفقٍ من الشجن الصافي:
"قلبي أنا موجوع .. وأما الليل ييجي منامش..."
كلمات تخرج من فمها كلهاث متعب، كاعتراف مؤلم، ينساب فوق خيوط الغيتار الذي ينقر برهافةٍ على عصب الروح. كل نغمة كأنها وجيب قلبٍ لم يهدأ بعد، وكل كلمة كأنها تنهيدة امرأة ما زالت تبحث عن طريقة لتنسى... ولا تريد أن تنسى.
فتوني، التي تجاوزت بإنجازاتها الغنائية السابقة حدود الملايين من المشاهدات، من "الصبر جميل" إلى "أول حب"، لا تعود اليوم لتكرّر نفسها، بل لتؤكد انها الصوت الوجداني القادم الذي سيزاحم الكبار في حضوره. صوتٍ لبنانيٍّ يحمل حرارة الشرق ورقّة الحنين بكلمات مصرية ولحن رقيق يرافق الصوت الرخيم.
الأغنية مأتم جميل
في "مأساة"، تمتزج عناصر الفن الحقيقي: الكلمة التي تنبض، اللحن الذي يحاورها، والصوت الذي يترجمها. كأن الثلاثة اتفقوا على إقامة مأتمٍ جميلٍ للذاكرة، حيث الحزن لا يُرثى له، بل يُحتفى به كجمالٍ من نوع آخر. أغنية تربت على اكتاف سامعها تواسيه في عز مأساته.
ما يميّز مهى فتوني في هذه المرحلة أنها تتفرد في مكانها وتفتح للفن مكانة رفيعة تلامس أوجاع الناس وتغني لهم بإحساسها. تجرؤ فتوني على البقاء في مساحة الخفوت، في زمنٍ يصرخ فيه الجميع. صوتها ليس عالياً، لكنه نافذ؛ ليس قوياً بمعناه التقني، بل مؤلم بمعناه الإنساني. مطربة الإحساس الذي فتحته إليسا ودخلت فيه مهى لتكون فرعاً من هذه العمارة الفنية المتميزة.
اغنية ليست عابرة بل محطة
إنها فنانة تحوّل الجرح إلى أغنية، والأنين إلى شكلٍ من أشكال الرفاه الجمالي.
"مأساة" ليست أغنية عابرة في مسيرة فتوني، بل محطة نضج فني وروحي. كأنها تقول من خلالها إن الغناء الجميل ليس في النغمة العالية، بل في الصدق؛ وإن الفن الذي يبقى، هو ذاك الذي يشبه وجع الناس حين يصبح صوتاً دافئاً يربّت على القلب بدل أن يجرحه.
خرجت فتوني في هذه الاغنية كفراشة من شرنقة الفن السائد لتصنع لنفسها فضاءً من الدفء والصدق صوتٌ يأخذنا إلى حيث تكون الموسيقى وجعًا نبيلاً، لا ينتهي.