إليسا (27 أكتوبر 1971)، الفنانة التي خطّت عمرها بذاك الشجن الساكن في القلوب.
مسيرة من تألّق وفنّ واجتهاد ووجع. خارطة عمرٍ مليئة بالمفارق والمحطّات المتوهّجة وتلك المؤلمة.

لإليسا وجهان.
في عيد ميلادها، يحضر لإليسا وجهان: وجه الفنّ الذي غمر وأضاء لكلّ من حولها، فكانت رسولة حبّ وأمل، ونغمة عشقٍ تتردّد في الوجدان. ووجه آخر معاكس لتلك النعومة والرقة، وجه من تحدٍّ ومرضٍ وألمٍ ورسالةٍ عالية النبرة لتكون صوت النساء.
إليسا التي بدأت منذ التاسعة من عمرها تحبو نحو أفقها الفنّي، لتصل قمّة المجد مرتفعة على طوبٍ من نجاحاتٍ لم تعرف الإخفاق، بل كانت دومًا في حالة إشعاعٍ ينير دربها ويوسّع أرصفتها بالكثير من المحبّين الذين ردّدوا أغانيها لتكون مواساتهم.
حفظوا نغمتها لتكون بلسم جراحهم وصدى حبّهم ومرسال عشقهم.
الأنوثة الموقف
في زمنٍ كانت فيه الأنثى تُختصر بصورةٍ أو ملامح، جاءت إليسا لتقول إنّ الأنوثة موقف. لم تحبّ النساء كأخرياتٍ يُكرّرن شعار الدعم، بل أحببتهنّ بصدق الأمّ، وبدفء الصديقة، وبشجاعة المرأة التي عرفت وجعهنّ عن قرب. تحدّثت عن المرض دون خوف، فصارت مرآةً لكلّ امرأةٍ تكابر على ألمها بصمت، وفتحت جرحها لتضيء طريق الأخريات.

صوت النساء
إليسا لم ترفع راية النسوية بشعاراتٍ جامدة، بل غنّت للمرأة التي تُخدع وتنهض، التي تُكسَر وتتعافى، التي تحبّ وتغفر ثم تمضي. في صوتها حنان العالم، وفي كلماتها انتصارٌ لكلّ أنثى أرادت أن تكون كما هي، بلا اعتذار.
من أغنية "يا مرايتي" إلى "كل اللي بيحبّوني" مرورًا بـ "عايشالك"، "تصدق بمين"، "أسعد وحدة"، و"نفسية قوية"...
أغانٍ تحوّلت إلى صرخة حياة. تحدّثت فيها إليسا بشجاعة عن وجع النساء، عن الخيانة والخذلان، والنهوض والانكسار، والأهمّ تحدّثت عن تجربتها الشخصية لتكون أغانيها وصوتها صرخة حبّ ونجاة لكلّ امرأةٍ تتألّم وتقاوم.
السرّ الخفيّ لمجد إليسا
الذي صنع مجد إليسا وزهو تاريخها هو خامة صوتها، تلك المادة الأولى التي منها انسكبت النغمة فعَمَّت العالم.
صوتها ليس قويًّا بمعناه التقني، بل صادقًا بمعناه الإنساني، يحمل في تردّداته دفءَ العاطفة وارتجاف القلب. خامة رخيمة، حريرية الملمس، فيها ظلّ حزنٍ لا يُفارقها، كأنّها تغنّي دومًا من مكانٍ بين الجرح والحلم.

ملكة الإحساس
هذه الخامة هي التي وجدت طريقها إلى صوغ النغمة، وصارت توقيعها الخاص: نغمة إليسا.
نغمة لا تنتمي إلى المدرسة الطربية الصافية، ولا إلى البوب الصارخ، بل إلى عالمٍ ثالثٍ بينهما، عالمٍ تصنعه العاطفة قبل الموسيقى.
هي النغمة التي انزلقت نحو القلوب وبقيت هناك، لا تطرقها بقوّة، بل تدخلها بخفّة الهمس.
في كلّ أغنيةٍ لها، شيء من البوح الأوّل، وشيء من الاعتراف الأخير. ولذلك، حين نسمعها، نترنّح، نعود إلى أماكننا العليا في الإحساس، تزرع فينا شأو صوتها، تُخدّرنا ثم تذهب بنا بعيدًا نحو ضفافٍ تدركها هي، وتجرّنا صوبها حيث الإحساس مملكة، وهي ملكته.