على شاشة نتفليكس يعود فيلم «Basic Instinct» ليذكّرنا بتلك المرحلة التي صنعت أسطورة شارون ستون، المرأة التي خرجت من المجهول إلى أيقونة عالمية في لحظة، ثم دفعت ثمناً باهظاً للوهج الذي لا يُطفأ.

نجومية قاتلة
هو الفيلم الذي حفر اسمها في الذاكرة السينمائية، لكنه في الوقت نفسه سلبها شيئاً من ذاتها، وكشف الوجه المزدوج للفن: مجدٌ يرفعك إلى السماء، وجرحٌ يهبط بك إلى العراء.
مشهد واحد رفع شارون ستون أيقونة
عام 1992، حين أطلق المخرج بول فيرهوفن فيلمه المثير للجدل، كان العالم أمام موجة جديدة من السينما الجريئة التي تخلط بين الغموض والرغبة والجريمة. شارون ستون، في دورها الشهير كاترين تراميل، لم تكن تؤدي فحسب، بل كانت تجسّد فكرة الإغراء كقوة فكرية ونفسية، امرأة تكتب الرواية وتعيشها في آن.
من خلال مشهد واحد، ولقطة عابرة صارت من أكثر اللحظات جدلاً في تاريخ السينما، وُلدت نجمة عالمية، وأيقونة للجاذبية الباردة التي تجمع بين الذكاء والخطر.
المجد غير المحترم
لكن المجد، كما تعلّمنا من مصائر الكبار، ليس مجانياً.
تقول ستون اليوم إن الفيلم «جعلها أيقونة، لكنه لم يمنحها الاحترام». وتضيف أنها
شعرت بالخيانة حين اكتشفت أن المشهد الشهير صُوّر بطريقة لم تكن على علم بتفاصيلها الكاملة، وأنها دفعت ثمنه لعقود. لقد كان الفن بالنسبة إليها مرآةً انكسرت أمامها، أجبرتها على مواجهة نفسها في أعمق مناطق الخوف والظلام، كما قالت لاحقاً: «كان عليّ أن أواجه نفسي بالكامل، أن أنظر إلى المرآة المظلمة بداخلي».
لم يتوقف الثمن عند حدود الذات. فقد خسرت شارون ستون حضانة طفلها بسبب هذا الفيلم. القاضي سأل ابنها إن كان يعلم أن والدته «تصنع أفلاماً مُخلة»، في لحظة وصفتها الممثلة بالمهينة، إذ قالت: "قدّمت ست عشرة ثانية دفعتُ بسببها ثمن الأمومة".
وهنا المفارقة الكبرى: فبينما تُكرَّم على الشاشة، كانت تخسر على أرض الواقع أبسط حقوقها الإنسانية.

ذروة المجد وذروة الإهانة
رغم الجدل، حصد «Basic Instinct» نجاحاً نقدياً وجماهيرياً واسعاً، ورُشّح لعدة جوائز من بينها جائزتا أوسكار لأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج، كما حاز على ترشيح غولدن غلوب لأفضل ممثلة لشارون ستون. غير أنّ تلك اللحظة التي كان يُفترض أن تكون ذروة مجدها تحوّلت إلى لحظة إذلال، إذ تروي أن زملاءها ضحكوا عندما ذُكر اسمها بين المرشحين: "لقد تعرضت للإهانة... لم يدرك أحد مدى صعوبة هذا الدور، ولا كم هو مرعب ومؤلم أن تؤديه بصدق."
تجربة ستون تفتح الباب على سؤالٍ إنساني عميق:
هل يمكن للفن أن يمنحك المجد دون أن ينتزع منك شيئاً في المقابل؟
هي التجربة التي تؤكد أن الخط الفاصل بين البطولة والاستغلال، بين الجرأة والخذلان، هشّ كحدّ السكين. وأن الفنان، سواء كان غربياً متحرراً أو شرقياً متحفّظاً، يقف دوماً أمام امتحانٍ أخلاقي واحد: كيف يصون ذاته في عالمٍ يعشق التعرية أكثر مما يقدّس الجوهر.
لقد صنعت «غريزة أساسية» من شارون ستون نجمة لا تُنسى، لكنها جعلتها أيضاً شاهدةً على الوجه القاسي للشهرة.
فالفن، كما تقول سيرتها، هو السيف ذو الحدّين: يخلّدك... ثم يجرّحك بالخلود نفسه