TRENDING
شرّعت أبواب بيتها وقلبها وكشفت عن جراحها.. إليسا it's not ok

عند الفجر، يغفو الناس، محبّوها وكارهوها ومن يقف بينهما، تجلس إليسا في وحدتها، تشغل نفسها بإعداد الطعام. تسخّن منقوشة وتأكلها رغماً عن أنف الرّشاقة، فحين يجتمع الجوع والوحدة والليل وآخره، لا تقف أمامهم إرادة.
انطلق وثائقي إليسا It’s ok على "نتفليكس"، من زاوية تحطيم هالة النّجومية، التي تخبو عندما تنطفىء الأضواء، وتظهر الحقيقة المرّة.. فنّانة تعيش معاناة لا تنتهي مع مرضٍ ظننا كلّنا أنّها انتصرت عليه وصفّقنا لها طويلاً.. لا تزال تعاني تداعياته.
لا تترك إليسا الأمور تنزلق نحو الهاوية، كلّما ظننتها سقطت وسقطتّ معها، ترفعك نحو الأعلى بإرادة فولاذية، منطلقة من قاعدة أنّ الأمور التي لا تستطيع تغييرها، تقبّلها وعش معها.. الحياة لا تعطيك الكثير من الخيارات.
تورّمت يدها جرّاء العلاج من مرض السرطان، حصل خلل في الغدد وبعد العملية تضرّر عصب اليد. تضخّم حجم يدها، لم يفلح العلاج، لم يكن أمامها سوى أن تخفيها وراء ظهرها، بملابس طويلة، إلى أن قرّرت الكشف عن يدها المتورّمة والتعايش معها. "متل الشاطرة تعوّدت عليها"، تقول إليسا في الوثائقي، الحياة ليست وردية دائماً والنهايات ليست سعيدة، والذكي من يحوّل الخيبات إلى انتصارات، حتى لو اضطرّ أن يوهم نفسه بذلك.

إليسا التي نعرفها

يسلّط الوثائقي الضّوء على أمورٍ يعرفها كلّ محبّي إليسا. لكن بعض التفاصيل تحدّث الكثير من الفرق.
علاقة إليسا بشقيقتها نورما التي تزوّجت "خطيفة" في عمر الـ14 وسافرت، تركت شقيقتها في فراغ كبير. مخلصة إليسا، بعد 20 سنة على وفاة والدها لم تتخطّ الأمر، تقف أمام قبره وتبكيه بمرارة، وتكشف مع تصاعد حلقات الوثائقي أنّ الحضن الدافىء الذي فقدته برحيله لم يعوّضه أحد.
تعود بزيارة إلى المدرسة الداخلية حيث تعلّمت، تزور غرفتها القديمة، تقصد راهبة كانت تهتم فيها إلى "عين علق"، منطقة بعيدة جداً، كان المشوار يستحق العناء. لقاء حميم يعيد النجمة إلى طفولتها، حيث كانت الأمور تبدو أجمل.

علاقة إليسا بأصدقائها أجمل مكافأة أعطتها إياها الحياة، تقول إنّهم يحبّونها لشخصها، هم أنفسهم منذ سنوات لم يتبدّلوا.
ظهروا معها في كليب "إلى كل اللي بيحبوني"، حين كانت تحتفي بالحياة بعد انتصارها على المرض الخبيث، وظهروا معها في الوثائقي، حين أرادت أن تقول للجميع إن كان لديكم أصدقاء أوفياء، فأنتم لديكم كلّ شيء.

إليسا التي لا نعرفها

وبموازة الكشف عن إليسا التي نعرفها، ثمّة تفاصيل تكشفها الفنانة للمرّة الأولى، ابنتها أنجيلا، هي الفتاة التي لم تنجبها، بدأت العلاقة بينهما كأي علاقة بين معجبة وفنانة، وعندما مرضت إليسا، لم تتركها أنجيلا، فنشأت بينهما علاقة حميمة أشبه بعلاقة الأم وابنتها.

تعوّض أنجيلا إليسا الأمومة التي لم تعشها. تتحدّث بمرارة عن حرمانها من تكوين عائلة، يوم عاشت علاقة سامّة، مع شخصٍ تفنّن في الكذب عليها، كانت فرصتها الأخيرة للإنجاب، بعدها هاجمها المرض، ولدى أوّل علاج هرموني دخلت في مرحلة "المينوبوز"، وبات حلم الأمومة مستحيلاً.

تحمّل إليسا العلاقة التي أسهبت في الحديث عنها مسؤولية مرضها، كانت تعاني من عذابٍ نفسي، أخبرها الطبيب أنّ أحد أسباب السرطان التوتّر، بعد أن تبيّن من خلال الفحوصات أنّ المرض الذي أصابها لم يأتٍ من عامل الوراثة.
توجّه رسالة غير مباشرة "احذروا العلاقات السامّة.. انجوا بأنفسكم، العلاقة المؤذية ضرر للنفس والروح والجسد، والخلاص منها قد يكون بوّابة لأملٍ جديد".

مرض إليسا

أرادت إليسا توجيه رسائل تشجيع، إظهار الوجه الآخر للنجمة التي تلمع بريقاً، القول للجميع إنها منهم، لكن ما أن تشاهد الوثائقي حتى يتسلّل إلى قلبك حزن شديد، ورغبة في احتضان الفنانة التي احتفلت بالانتصار في حرب كبرى، تبيّن أنّ بعدها معارك لا تقلّ ضراوة. حرب استنزاف طويلة، لا أفق لنهايتها، من الحروب التي يضطرّ أحدنا إلى معايشتها والتعايش معها حيث خيار الهزيمة حتمي.
لا تستطيع إليسا الوقوف على قدميها طويلاً، ثمّة آلام لا تطاق من مضاعفات العلاج. تضطر إلى خلع  حذائها على المسرح.. ثم يأتي من ينتقد الفنانة لأنّها لم تحترم المسرح ولا الوقوف عليه.. انتقاد يبدو صائباً من وجه نظر من لا يعرف شيئاً.. لم تترك إليسا الباب موارباً.. أخبرت الجميع أنّ حتى ارتداء كعب عالي لتبدو لائقة في عيون جمهورها مشقّة لا تّحتمل.

إليسا وعمليات التّجميل

كثيرة هي حملات التوعية التي قادتها النجمات ضدّ عمليات التجميل، واحدة منهم كانت إليسا.

تخبرنا أنّها قبل إصابتها بالسرطان، خضعت لعملية تجميل في صدرها، ظلّ جرحها ينزف وأصيبت بفيروس وانخفضت مناعتها، واستمرّت معاناتها أشهر. وعندما شارفت المعاناة على الانتهاء، هاجمها السرطان يوم كان جسدها ضعيفاً وروحها تتألّم بسبب العلاقة السامة التي لم تتمكّن من التخلّص منها فترة طويلة.

تقول إنّها أدمنت أبر التجميل والعمليات، لدرجة أنّها لم تعد تطيق النّظر في المرآة، حين خرّبت العمليات ما كان ينبغي إصلاحه.. أو ما كانت تعتقد أنّ عليها إصلاحه.

خضعت إليسا مؤخراً لعملية أزالت فيها كل "الفيلر" الذي حقنت فيه وجهها يوماً، وكان سبباً في تنمّر البعض عليها. في وقتٍ كانت تبتعد عن مرآتها لأنّها تدرك حجم ما فعلته بوجهها، كان ثمّة من يزيد من معاناتها. لم تكن تملك حصانة المجابهة، ولا التجاهل، كانت تتألّم بالعمق.

يعلّمك وثائقي كهذا، أن تفكّر مليون مرّة قبل أن تكتب عن الآخر لمجرّد أنّ هذا الآخر نجمٌ شهير. هو بالنهاية إنسان، يقرأ ما تكتبه، يزيد ما تكتبه من معاناته، فنانون كثر انتحروا بسبب التنمّر، لكنّ إليسا روّضت نفسها على تجاهل الإساءة.

إليسا والحب

طوال الوثائقي تشعر بالأسى تجاه إليسا. فشلت في الحب، لم تتمكّن من تأسيس عائلة، تعيش تداعيات مرضها وتتعايش معها، تُحاربها شركات الإنتاج والتوزيع، حتى أنّها تعتبر أنّ أقسى ما مرّت به موت والدها ومرضها، وحذف أرشيفها وملايين المشاهدات، التي كانت تعتبرها ثورة، من إحدى المنصّات.

أسّست شركة خاصّة بها ستنتج يوماً لزملائها، لتجنّبهم الشعور الذي راودها، يوم انتقلت من نادي المليونيرات إلى الصفر.. صفر مشاهدات.

تكشف في نهاية الوثائقي عن قصّة حبٍ تعيشها. عمرها سنوات لم تفصح عنها من قبل. تصف الحبيب بالشخص النبيل، الذي يحتويها، يتفهّمها، يرفعها حين تسقط، يفرح لها حين تحلّق. الحب يشفي كل الجروح.

ملاحظات سريعة على الوثائقي

-معظم المعلومات التي أوردها الوثائقي لم تكن غائبة عن متابعي إليسا باستثناء قصّة حبّها التي نجحت في إخفائها سنوات، وقصّة أنجيلا التي عوّضتها عن أمومةٍ لم تعشها.

-الدّخول إلى عالم إليسا كان ذكياً، تعرّفنا إلى منزليها في بيروت وباريس، بدت اللقطات حميمة، منزل يشبه منازلنا، لا قصر فاره، ولا نجمة تعيش في برجها العاجي.

-أخرج الوثائقي إليسا من صورة الفنانة كثيرة التذمّر، التي تتعامل بفوقيّة مع جمهورها، بدت إليسا أكثر عفويّة، صادقة لا تخفي مشاعرها، تحفظ الودّ والعشرة، عصبية لكنّها طيّبة القلب، تصفح لمن أساء. أعداء الأمس باتوا أصدقاء اليوم دون أيّة رواسب من الماضي.

-نجح الوثائقي في توجيه رسالة للجميع.. حين تنتقدون، حين تكتبون، ضعوا أنفسكم في مكان الشخص الآخر حتى لو كان نجماً. فالنجم هو شخص يشبهكم بتفاصيلكم، وعندما تحطّمون تفاصيله يتبعثر، ويدخل في دوامة ترميم نفسه المنكسرة، بفعل كلماتكم. الكلمة كالسيف تقتل ومن منّا يريد أن يقتل نفساً لا ذنب لها سوى أنّها مشهورة.

تشاهد الوثائقي وتشعر في نهايته أنّك بحاجة إلى الطبطبة على إليسا لتقل لها It’s ok، تألمتِ وعانيتِ، حرمتك الحياة وعوّضتك والأهم أنّك لا زلتِ قادرة على المواجهة، وبانتظارك الكثير من المحبة والكثير من النجاحات.

 

 

يقرأون الآن