TRENDING
هيفاء وهبي تصدم التوقعات في ألبوم

"هيفاء ميغا 2"… حين يتحوّل الغناء إلى مسرح داخلي

أطلقت هيفاء وهبي الجزء الثاني من ألبومها باسم «هيفاء ميغا 2»، في خطوة تبدو كأنها استكمال لمسار متجدد بعيداً عن التكرار لبناء حالة فنية لا تشبه سواها.

ست أغنيات لا بل ست حالات إنسانية ، تدخل لعبة الدراما الغنائية من بابها الواسع. في هذا الألبوم نسمع أغاني ونشهد مشاهد ونواجه حباً من نوع اخر ليس تقليدياً بل وجعًا ناضجًا، وردًا واعيًا، وصورًا مكتملة لعلاقات لم تعد تحتمل الزخرفة.


خروج من القالب… ودخول في القصيدة الحياتية

هيفاء، التي طالما عُرفت ضمن معادلات الغناء المألوف، تخرج في هذا العمل من «بطانية» كلمات السجع والشطور المكرّرة، لتدخل مساحة أكثر جرأة: قصائد درامية حياتية، مغروفة من وجع يومي مألوف، ومصاغة بنضج التجربة التي لا تبحث عن الشفقة بل عن صياغة موقف.

الأغنيات تشبه مونولوغات طويلة، فيها سرد وتصوير، وفيها إحساس بأن هيفاء لا تؤدي بقدر ما تتلو جزءًا من حياة، كأنها تفتح دفترها الشخصي ومعها تفتح دفاتر كل البشر من خلالها وتقرأ بصوت مسموع كلام لم نعهدها في الفن إلا فيما ندر.


"غلطني في إحساسي"… المواجهة بدل البكاء

في أغنية «غلطني في إحساسي»، لا تختار هيفاء طريق الانكسار السهل. هذه ليست أغنية دموع ولا توسّل، بل أغنية مواجهة. عتب يُقال في الوجه، وحوار لا يسعى للمصالحة بقدر ما يسعى للمكاشفة.

"غلطتي في إحساسي وقولي إن إنت بريء وأني ظلمتك

مش حارتاح وانت بتخسرني أنا عايزه أحس إني خسرتك

رجّع صورتك حلوة في عيني لا… ما تسيبهاش زي ما هي"

من اللحظة الأولى، يخال المستمع أن هيفاء تغنّي سردية مختلفة . لا بكاء، لا رجاء، ولا حسرة معلّقة بل واقعية تأتي من قوة امرأة جعلت من النضج منطقها، ومن الوعي سلوكها. أغنية تُقال بنبرة سيدة تعرف تمامًا ما تريد قوله، وتعرف أيضًا ما لن تعود تقبله.


الغناء كحكاية… أسلوب جديد بلا بكاء

بهذا العمل، تحذو هيفاء بعيدًا عن الأسلوب التقليدي للغناء العاطفي. لا نواح، لا استجداء، ولا تصوير للمرارة على طريقة المبالغة. بدل ذلك، نجد قصصًا درامية مغنّاة، مليئة بالأسئلة، وبنكش صريح في بواطن الخلافات.

هيفاء تحاول الفهم، تحاول وزن الأمور، وتعيد ترتيب المشاعر بعقل ناضج لا يخاف من المواجهة. الغناء يصبح أداة تحليل، لا وسيلة شكوى.كأن بهيفاء وصلت الى مرحلة نضج تعطي حلولاً تصور حالات بات الامر فيها فالج لا تعالج.

"بس بس"… ثورة ساخرة على أنقاض الخيبة

تأتي أغنية «بس بس» كحالة تمرّد واعية. أغنية ثورة، ورد صارخ لكن بصوت ساخر. انتفاضة تحمل في نبرتها سخرية ذكية وألمًا دفينًا. الموسيقى تتآخى مع الصوت، وكأننا أمام مشهد من مسرحية غنائية: كل عنصر يكمّل الآخر.

"عاملتك معاملة ماكنتش تصدق إن إنت في تتعاملها

واديتك لقيتك بتنكر حاجات ماكنتش في يوم تستاهلها

بتكذب، تحوّر كلامك، مزوّر وعايش دور الملاك

وخلصت حكايتك، بتكتب نهايتك بإيدك… دي شيلتك وشيلها

طب بس بس بس بس بس"

هيفاء هنا تجسّد المكر، الغبن، والكذب بكلمات بسيطة، لكن بأداء محسوب. صوتها يسخر ويستهجن والرد بسيط "بس" مع موسيقى تواكب هذا الرفض، فتصبح الأغنية حالة إنسانية مكتملة الأركان.


"أزمة نفسية"… حين تسمح هيفاء لضعفها بالظهور

حتى في لحظات الضعف، تختار هيفاء طريق البوح لا الاستعطاف. في "أزمة نفسية"، تخلع قناع القوة، وتدخل أجواء الانكسار والتعب والشوق. قد تكون هذه الأغنية الوحيدة في الألبوم التي تُظهر هشاشتها، لكنها هشاشة واعية، مدركة، ومصاغة بنفس الأسلوب السردي.

هنا تحكي عن البعد، الألم، والجفاء، وتعترف بأن الحب كسرها، وأنها صارت «مريضة نفسية»، لتصل إلى خلاصة موجعة وبسيطة في آن:

"علاجي حضنه، وغيره مش نافع علاج."

إنه ضعف لا يطلب إنقاذًا، بل يقدّم اعترافًا صريحًا بالحالة النفسية والحد الواهي الذي وصلت له.

"بدنا نروق"… أغنية الهيمنة والسخرية

وإذا لم تلتقط «بس بس» المستمع من الوهلة الأولى – وهي ستفعل – تأتي «بدنا نروق» لتُمسك به من ياقة الدهشة. أغنية ردّ، لكن بلهجة مرحة، عامية، ونبرة استعلاء خفيفة لا تخلو من الذكاء.

تصريح علني عن المكانة، عن السطوة، وعن الضجيج المحيط بها. هيفاء هنا تقول: أنا فوق كل هذا. وتغلق الأغنية بسخرية لاذعة:

"أنا دهب وإنتو فراطة

أنا غير من الآخر ببساطة

أنا كاش وإنتو بلاش

أنا واغيو وإنتو بطاطا"

 أغنية تفاخر، لا بل إعادة ترتيب للمشهد من موقع القوة. ورد حاسم على كل من يتطاول عليها. أغنية تسقط في الاسماع من اول نقرة وحتى اخره همسة. 


تنوّع محسوب… وصوت يعرف متى يلين ومتى يقسو

بين الرومانسي الناعم، والراقص الهازج، والأسلوب المرح الموصوف بالدلع، تتنقّل هيفاء بذكاء. تغيّر في صوتها، في نبرتها، في حشرجتها، لتجعل الكلمات تتجسّد في مقاطع حياتية مسرحية عنوانيها كثيرة بين الرفض، الحنو، القوة، والسخرية… كلها تمرّ عبر صوت يعرف كيف يوزّع إحساسه بدقة.

الألبوم رافعة فنية

في «هيفاء ميغا 2»، تمسرح هيفاء الغناء، وتحوله إلى ردّ، إلى موقف، وإلى حالة. هذا الجزء من اعمالها الفنية هو اكثر من إضافة انه تجديد بكل ما في الكلمة من معنى هو رافعة فنية تحمل تجديدًا في اللون، والكلمة، والموسيقى.

هيفاء ميغا 2 لم تستكنِ عند حدّ النجاح، بل ذهبت أبعد: إلى منطقة الإعجاب بالتجربة نفسها، والتجديد الجريء، الموصوف، والواضح. هيفاء لم تعد بحاجة الى اثبات حضور بل باتت حالة فنية تغرد على شطآن جديدة سميت باسمها في الغناء فنانة مسرحية درامية تقص حكايات في اغانيها عن الحياة وتجد لها حلولاً.