تجرأت أصالة وفتحت "صندوق" الذكريات. وفاح صوتها بعطر الشوق نستعيد أماً باتت في الضلوع، وأباً رحل وبقيت روحه عالقة فوق الشفاه الضاحكة.
لم تبلسم أصالة الحنين بصوتها بل فتحته شريطاً طويلاً في أغنية ترشح رثاءً والماً.
أغنية لكل المحرومين من وجوه أمهاتهم، وسند ابائهم، وعتبات منازلهم. أغنية تستعيد صدى الطفولة التي كانت حباً وأصبحت فراقاً.
اغنية تدق على وتر نريد خفوته في مجرى الحياة حتى لا تقتلنا اللهفة. وهي شرعته عزفاً وناياً وصوتاً يضج بتلك القصص السعيدة التي كانت وغابت.
"صندوق" أغنية المهاجرين الذين سلختهم الغربة من حضن أهلهم ورفاق حيهم وعطف أجدادهم وياسمينة بيتهم، وكل يوم يعيشون حسرة الدار البعيدة. فهل يعودون إلى أماكنهم أو أن التشرد في بلاد العالم بات عالمهم.
"صندوق" أغنية الخذلان في هذه الحياة عندما يقطف الرحيل ابتسامة الأم ويسكن الأب بجوار الله، ويرتفع الغبار فوق عتبات بيت كان لنا فيه أحلام نعمرها داخل الأجساد الطّرية.
هذه الأغنية ليست للفرح ولا للعلاج من الفراق، بل هي تفتح جرحاً وتنثر كل تلك الصور التي نريد أن نشفى من حرمانها.
يأتي صوت أصالة الخافت المليء بالإحساس دون أن ترفعه كما عادتها بل أتت به هامساً، ومجروحاً وملتاعاً. فكانت أغنية تفتح فيها "صندوقاً" ليطفو الدمع في العيون.
هذه الأغنية التي كتبها رامي كوسا ليست لأولئك الذين ينعمون بدفء بيتهم وأهلهم بقربهم والوصال قائم حد الشجار. بل هي للمسلوبين من حياة كان لهم فيها طفولة وأم وأب واجداد وبيت ورفاق ومدرسة وحارة وحقول يعبثون فيها. وباتوا الآن في مكان آخر يستعيدون تلك الصور بالكثير من الحرقة والشوق. فلا الدمع يردهم ولا العودة باتت كما كانت.
ربحت أصالة في هذه الاغنية على وجعها والطفلة التي رافقتها في الكليب، كان بالإمكان أن تكون أكثر حيوية وأكثر شعوراً وتفيض تعبيراً على أن تكون مجرد مؤدية تتمتم فوق نشيج اللحن. أما فرقة الأطفال الكورال فكانت مؤثرة وهي تعيد أصداء الماضي بأصوات الطفولة في المقطع الأخير من الأغنية.
تعود أصالة للغناء باللهجة السورية وكأن صوتها اشتاق لتلك اللهجة التي هجرتها من فترة، وهي أغنيتها الوحيدة باللهجة السورية في هذا الالبوم "لحقت نفسي". أتت أصالة بكمية عاطفة تفيض فوق الأسماع حباً وطرباً ونغمها وصل كل القلوب.
كلمات أغنية أصالة "صندوق"
بخزانتي صندوق.... صرلو عمر عندي
جوّاتو في كمشة صور.. واسرار وحكايات
تَ أفتحو من جديد... بدّي وما بدّي
من خوفي لا يوعى البكي .. ويسكّت الضحكات
عالبال يا ضحكة أبي...
ترقّصني وتقلّي العبي...
عالبال يا أوّل صبي... جبلي غزل البنات
عالبال يا ماما اشتقت..
تغنّيلا لَ تغفى البنت...
يا بيتنا قد ما غبت... مشتاقة للعتبات