TRENDING
Terzi.. خياط

منذ اللحظة الأولى التي تدور بها الكاميرا تجد نفسك مأخوذاً بالدهشة. عالم ظاهره جميل وساحر، وباطنه أسرار وغموض. هذا هو المفصل الجمالي الأول في مسلسل "الخياط "التركي Terzi الذي يعرض على منصة "نتفليكس". هذا التناقض هو الحبكة والعقدة التي تجعل من هذا العمل قمة درامية.

يأخذك الأبطال في رحلة نحو روعة الحياة وصخبها، وسرعان ما تتقشر الأمور والأحداث حتى تجد أن هذا الظاهر قشرة تخفي خلفها عذابات كثيرة.

البطل بيامي (شاتاي اولوسوي) مصمم أزياء يظهر كشخصية مثالية عقلانية، كل ما فيها جذاب، حضور ووسامة وشرود لا تعرف سببه.

وصديقه المقرب ديمتري (صالح بادمجي) متفلت عبثي غير متزن، يبدو الجمع بينهما غير منطقي، وهذا ما يثير التساؤل المستمر لدى المشاهد.

حكاية Terzi باختصار تدور حول قصة واقعية عن "بيامي" الذي ورث موهبة الخياطة من جده، يضطر بعد وفاة الجد للعودة الى منزل العائلة، حيث والده المعوّق ذهنياً. يخبئه عن الجميع لما يتسبّب به من إحراج.

ولأنّ الوالد الطفل يحتاج إلى عناية خاصة، يقول بيامي بتوظيف أسفيت (شيفانور غول) للاعتناء به، تشتعل بينهما شرارة حب دون أن يعرف أنها خطيبة صديقه المقرب ديمتري، وتبدأ رحى الأحداث تمر كالطاحون بين مرَ وحلو، وحب وبغض، وجمال وقبح.

هذا العمل مكثف بأحداثه، فهو بجزئيه عبارة عن 14 حلقة متبوعة بموسم ثالث سيعرض في الخريف، حلقات مرصوصة فيها سيرة حياة أبطال. قصصهم تأتي من جحيم الحياة ومن قاعها، وهم في العلن من أبهة القوم مكانة وسيطرة ومال.

جاذبية Terzi تكمن في تلك التناقضات التي تملأ الشخصيات، والتي عبر عنها الإخراج بطريقة مشوقة، فهو يرسلك نحو بقعة الجمال، ثم يردك نحو باطن السواد. يقشر الأحداث كعلبة سرية، ما أن تفتح لها باباً حتى تتجلى أبواب أخرى يجب فتحها. وهكذا ترتفع وتيرة الأحداث والتشويق فكلما غصنا أكثر كلما تعقدت الأمور أكثر. وخلال هذه الرحلة نجد أنفسنا محملين بالكثير من الشغف، ومقابله الكثير من الرفض. حالة المد والجزر تبقى قائمة من أول لحظة حتى انتهاء العمل.

هذا العمل الذي يستند إلى قصة واقعية، المهم فيها ليس ما هو قائم، بل ما تخبئه النفوس من حب وكراهية وردود أفعال.

فمن يدعي الحب قد يكون شريراً ومن يبدو ظالماً سيكون مظلوماً. ودوماً المَشاهد تأتي على طريقة البوح الصامت. الحوار عميق لدرجة تريد نحته فوق عتبة النفس، والكاميرا تجول على الملامح والتعابير لتخط الكلام والحوار وتقيم الأحداث. البوح هنا صورة أكثر منه نص وهذا قوة العمل الاستثنائية التي رفعته عالياً.

المسلسل حاز على المركز الثاني عالمياً ودخل ضمن العشرة الأوائل في المشاهدة في أكثر من 79 دولة.

ثلاثة محاور يعالجها العمل الصداقة والحب والعائلة.

الصداقة تبدو هنا أكبر من أي شيء حتى أنها أعظم من الحب، وهي الرديف المعوّض عن خذلان العائلة وظلمها.

الصداقة قادرة حتى أن تتخطى مفهوم الخيانة والغدر، ويأتي الصفح عندما تُعطي فرصة للشرح.

الحب يبدو أوسع من إطاره الضيق المتعارف عليه، حب مرهون بالإحساس الصادق والبسمة البريئة، حب يتكئ على خُلق ومبادئ.

حب عارم جارف قادر على القتل وبنفس الوقت قادر على المسامحة.

أما العائلة في هذا العمل فهي بيت القهر والطمع والظلم والحقد، وكل الصفات السيئة.

وفي المقابل سنجد أن العائلة هي رحم السلام ومنبع الإبداع.

لا يمكن أن نفهم أي حيثية ما لم نختم حلقات العمل بكاملها وبجزئيه، حينها سيبدو لنا كل هذا الرعد والبرق الذي صفع أبطال المسلسل، سيتحول إلى سكينة تحت سقيفة واحدة اسمها الحب.


يقرأون الآن