تصدمك يارا بكل الألوان. لم تكتفِ بلونٍ واحدٍ حتى تشد انتباه المتلقي، بل فرشت كل لون ممكن وطلت به شفاهها. كليب "مش بمزاجك" ليس سوى شفاه مطلية. فتحت قفيراً من الأفواه وراحت تغني منها جميعاً، كل فم بلون.
تصدك عن السمع أمام أفواه مفتوحة ملونة بأحمر الشفاه، واللسان يداعب زوايا الفم والحلق. لا شيء في هذه الصور. اقتصدت في المشهد، لوّنت ولعبت، لنقل إنها أرادت فتح شهيةٍ ما لكن التكرار والمراوحة بات منفراً.
أقفلت الصوت، خرجت كل الشفاه أمامنا كأننا في هجمة نقيق عند حافة ساقية تتربصها عشرات الضفادع، تفتح أشداقها وتنق وتسحب كل هواء ممكن من الجو. "الحكي مش متل الشوفة".
يعميك المشهد، تنقبض ثم تغشى، فيضربك الذهول المخيف فلا تعد تشعر بشي، تثبط كل شعور.
وتكمل في النقر على الأعصاب تستسلم من كثرة الغثيان، تبقي أذنيك مفتوحة علَ من يسمع أنينك لينجدك. الطنين في القفير يرتفع وأنت عند الهاوية تسقط، تريد الخلاص إما أن يكون هناك حبل يرفعك من هذه الهاوية التي لا تنتهي، أو تأتي ضربة قاضية فتذهب بها وترتاح.
تأتي تلك الضربة عندما يكبر الكابوس وتجد شفاهاً بلوم أسود مرصعة وحمراء وكل لون ممكن، كلها تريد ابتلاعك، ولحظة تدخل في حالة اللاوعي وعدم الإحساس بشيء، تطل يارا بوجهها وترسل تلك الضحكة المدوية، فتستيقظ من كابوسك وتدرك أنّها كانت تداعبك أو تسخر منك، لا يهم.. المهم صرت في أمان وانتهى الكليب الكابوس "الفيلسوف".
صاحبة أغنية "توصى في"، و "صدفة" و "اخدني معك"، والكثير من الأغاني التي أسست لحضور صوت جميل يعوّل عليه في عالم الطرب والجمال. لا يكون صعود السلم بركنه عند الهاوية، فهذا الفزع وهذه الصدمة تقتل النغم وتشل العقل.
لنقل إن هذه الصور المموجة هي إعلان لأحمر الشفاه أو لخبير مكياج، لكن حتى هؤلاء عندما يولّدون الإثارة يعطونها على دفعات، ويتركون المخيلة تلعب على شطآن الإثارة، حتى الإثارة هنا محجوبة.
غياب سنوات لا يرمّم بأحمر الشفاه. وخلق الصدمة الإيجابية لا يكون في الفجاجة إن لم نقل التفاهة. لكن نعم الشواذ يخلق ثرثرة، لكنّها ثرثرة يرافقها امتعاض. ويارا أرفع مستوى بصوتها وجمالها وتاريخها، وهي قادرة أن تشق الحجر لمجرد أن تطل على أناسها حرّة متجرّدة إلا من صوتها وشكلها. هي العفوية الطبيعية وهذا قل نظيره اليوم، كان من الممكن أن يكون هذا زادها الذي تفرشه على حصير اللقاء ونتشارك معها النغم ونسمع، لكن فجاجة العين صمّت الآذان. باختصار ليت يارا لم تقدم ما قدمته وبقيت في مكانتها الرفيعة حيث صوتها أجمل من كل ألوان الشفاه.